زمانه شيئاً" (10)، وكتاب صيد الخاطر لابن الجوزي غني بما كان من حرصه على الوقت، والاستفادة منه.
أما الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي البغدادي - المتوفى سنة 513ه - فيقول فيه الإمام ابن تيمية: "إنه من أذكياء العالم" بلغ في محافظته على الزمن مبلغاً أثمر عن أكبر كتاب عرف في الدنيا لعالم، هو كتاب "الفنون" في ثمانمائة مجلدة" (11)، ويحدث ابن عقيل عن نفسه فيقول: "إني لايحل لي أن أضيع ساعة من عمري؛ حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين" (12).
أقوال المهتمين بالوقت من السلف:
لقد (أجمع العلماء والأدباء في تعريف الوقت بكلمة موجزة فقالوا: "الوقت هو الحياة") (13).
وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد بناه، أو حمد حصله، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه" (14).
وقال ابن القيم رحمه الله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم وهو يمر مر السحاب .. فما كان من وقت لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة واللهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته" (15).
وقال الشافعي رحمه الله: "صحبت الصوفيه فلم أستفد منهم سوى حرفين: أحدهما قولهم: الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك"، وذكر الكلمة الأخرى: "ونفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل" (16).
ويقول طيفور البطامي: "إن الليل والنهار رأس مال المؤمن، ربحها الجنة وخسرانها النار" (17).
وقال ابن القيم: "السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة، فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية، فثمرته حنظل" (18).
أما الوزير الفقيه يحي بن محمد ابن هبيرة - شيخ ابن الجوزي - فيقول:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع (19)
ويقول الدكتور رضا ديب عواضه: "الوقت المفقود لايشترى بالنقود - وأمس لايرد وغداً ليس في اليد - كثير من الناس يظنون أنهم يقتلون الوقت، ولكن الوقت هو الذي يقتلهم" ويقول أيضاً:" ما ذهب فقد ولّى، وما هو آت فإنه غائب وإن كان دانياً قريباً، وأما الحاضر وحده فإنه ملك يدك" (20).
الاستفادة من الوقت:
حرص العقلاء على الاستفادة من الوقت، والأقوال والأفعال في هذا الموضوع كثيرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول {قال لرجل وهو يعظه:"اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" (21).
وفي اغتنام الوقت، والاستفادة منه حتى في المواقف الصعبة وفي أصعبها وهو يوم القيامة، حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لايقوم حتى يغرسها فليفعل" (22).
فاستغلال الوقت حتى يغرس فسيلة وهي النخلة الصغيرة في مثل هذا الوقت دليل على أهمية الاستفادة من الوقت في كسب الثواب، وأداء عمل فيه خير.
ولقد كان أصحاب رسول الله {، ومن بعدهم العلماء حريصين على الاستفادة من الوقت في اكتساب العلم والمعرفة، أوعمارة الأرض، أو نشر الدعوة الإسلامية، فعن عمارة بن خزيمة قال: "سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك، فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غداً، فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسها، فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي" (23).
وهناك عدة وسائل لاستثمار الوقت فيما فيه كل خير للإنسان المسلم في الدنيا والآخرة.
1 فطلب العلم من أفضل الأسباب التي يمكن استثمار الوقت فيه، يقول الله سبحانه وتعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب 9 {الزمر: 9}.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله {يقول: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له طريقاً إلى الجنة" (24).
¥