تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبالقطع الضروري والعلم الضروري أن المتمذهبين أكثر من غير المتمذهبين ولا شك؛ فإن علماء الأمصار أكثرهم متمذهبون. وهنا سؤال: إذا افترضنا أنه وجد اطراد في ترك المذهبيات بعد القرون الفاضلة، أو في القرن الرابع وما بعده، فهل أنكر أحد من العلماء السلفيين المعتبرين التمذهب كمجرد انتساب وانتحال؟ الجواب: هذا ليس له شيوع أبداً. إذاً: تحصل من هذا أن ثمة إقراراً عاماً على مبدأ الانتحال. وأما الذي يفصل فيه فهو أن التمذهب يراد به أحد وجهين: ......

التمذهب المذموم

الوجه الأول: إما أن يكون تقليداً لمعينٍ أو لطائفة، تقليداً للشافعي أو للشافعية، تقليداً لأحمد أو للحنبلية، أي: يأتي المجتهد بعد أبي يعلى ليعتبر أقوال أبي يعلى وأقوال أحمد ولا يخرج عنها ويكون مقصوده ومراده الانتصار للمذهب والاتّباع له، فمن كان هذا غرضه وهذا مقصوده فلا شك أنه على مجهد ليس محقق؛ لأن المقصود: الانتصار للحق، والحق ليس محصوراً في الحنابلة أو غيرهم. قد يقول قائل: هذا موجود عند الفقهاء وبكثرة. نقول: نعم، موجود وبكثرة وبكثرة، وأقول عشر مرات: وبكثرة .. لكن هل هذا يقر؟ لا. لا يُقر. إذاً: إذا ما فُسر التمذهب: بأنه التقليد والاتباع والانتصار فهذا لا شك أنه لا يجوز، وهو حرام بالأدلة الشرعية، وبإجماع أئمة السلف الذين نصوا على تحريم اعتبار أقوال الرجال وترك الأدلة.

أعلى الصفحة

التمذهب الجائز

الوجه الثاني: وهو المقصود بالتمذهب عند المحققين، وهو الأخذ بالتراتيب العلمية للأئمة. وإذا قيل: إن ثمة متعصبين من أتباع الفقهاء الأربعة، قيل: ثمة أقوام عندهم اعتدال وليسوا من أهل التعصب. وإذا قيل: إذا كانوا ليسوا منتصرين لأقوال الأئمة الأربعة، أو هذا -كابن تيمية مثلاً- ليس منتصراً لمذهب الحنابلة، إذاً ما معنى أنه حنبلي؟ نقول: هذه تراتيب علمية. إذاً: إما أن يُفسر التمذهب بالتقليد والانتصار والاتباع، فهذا مؤاخذ بإجماع السلف وبالكتاب والسنة، وإما أن يُفسر التمذهب بأنه تراتيب علمية فهذا سائغ، ولا يجوز أن يقال: من استعمله فقد خرج عن السلفية، وإلا يلزم من ينتصر لأقوال عالم -كمن ينتصر لطريقة الشيخ الألباني من تلاميذه- باطراد ما لزم من انتصر للشافعي و مالك. وإن قال: لا، أريد منهج الشيخ بشكلٍ عام، وأما الاتباع لآحاد المسائل فيعتبر بالأدلة. فإنه يقال: وهذا هو الذي أراده المحققون من أصحاب الأئمة، وهو ما نسميه التراتيب العلمية.

أعلى الصفحة

المقصود بالتمذهب من باب التراتيب العلمية

من المعلوم أن الفقه ليس كمسائل أصول الدين، فمسائل أصول الدين مضبوطة بالكتاب والسنة والإجماع فقط -ولابد من الإجماع- أما مسائل الفقه فثمة الأصول الثلاثة لمعرفتها، ولكن هناك قدرٌ واسع من أوجه الاستدلال، أي: إن صريح الكتاب وصريح السنة والإجماع، لا جدل حولها، ونحن لا نجد اختلافاً بين الأئمة في صريح أو إجماع، إلا أحياناً، يكون فواتاً، أي: لم يبلغ، وهذه مسألة أخرى. لكن هناك ما يسمى عند الأصوليين بالأدلة المختلف فيها، كالقياس، وأقوال الصحابة، والاستصحاب، والاستحسان .. إلى آخر هذه الأدلة، وسوف نضرب مثلاً باثنين من هذه الأدلة، وهما: القياس، وأقوال الصحابة. ما موقف أئمة السلف -بما فيهم الأئمة الأربعة- من القياس وقول الصحابي؟ النتيجة الضرورية هي: إن تقديرهم لهذين الدليلين ليس تقديراً واحداً، أي: أن استعمال الإمام أحمد للقياس ليس كاستعمال أبي حنيفة أو حتى كاستعمال الشافعي، واعتبار الشافعي أو أبي حنيفة لأقوال الصحابة ليس كاعتبار أحمد وأئمة الحديث. وباختصار: إنه عند مراجعة النظم الفقهي عند السلف نجد أنهم ينقسمون إلى أقسام، فمنهم: فقهاء غلب عليهم الفقه ولم يعرفوا بعلم الحديث والرواية، أي: ليسوا من أربابها المعروفين، وإن كانوا ينسبون إلى أهل الحديث في أصولهم، كأبي حنيفة؛ فإنه لم يكن محدثاً، ولم يكن عارفاً بكثير من السنن؛ لأسبابٍ اقتضاها مقامه في الكوفة، ولكنه إمام في الفقه، حتى إن الشافعي يقول: "الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه"، وقد أثنى عليه مالك وغيره. ومنهم: محدثون انشغلوا بعلم الحديث والرواية ولم يشتغلوا بكثيرٍ من الفقه، ليس عجزاً، وإنما لأن الرواية شغلتهم عن الفقه، كما أن أبا حنيفة شغله الفقه عن الرواية. وهذا له مثالات: كبعض الأئمة الذين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير