تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اشتدوا في تتبع الطرق والبحث في العلل وما إلى ذلك كيحيى بن معين و ابن المديني، وإن كان هذا لا يعني أن ابن معين ليس فقيهاً .. فهو فقيه، لكنه اشتغل بعلم الرواية وغلب عليه علم الرواية عن الدراية. ومنهم: فقهاء غلب عليهم الفقه ولكنهم معروفون بقدر من الحديث، وهؤلاء من يمكن أن يسمون "المحدثون من الفقهاء" أو "محدثو الفقهاء" ومن أخص مثالات محدثي الفقهاء: الإمام الشافعي، فإن مقامه في الفقه أبلغ من مقامه في الحديث، وهذا لا يختلف فيه. والعكس: وهو القسم الرابع، فقهاء المحدثين، وهذا له أعيانٌ كثيرون، من أخصهم الإمام أحمد و البخاري رحمهما الله. وهذا لا يعني أن الطبقة الأولى لا علم لهم بالحديث، ولا يعني أن المحدثين كابن معين ليس فقيهاً، إنما يعني: أن ثمة تفاوتاً في طبقات هذا العلم. وقد تقدم أنه من المتحقق ضرورةً أن ثمة فرقاً بين الأئمة في تقدير الاستدلال: بالقياس وبقول الصحابي. فالإمام أحمد يقدم قول الصحابي على القياس. وهناك من الأئمة من قال: يصار قبل قول الصحابي إلى القياس. وهناك من قال: يصار إلى عمل أهل المدينة قبل هذين. فهذه التراتيب تراتيب مختلفة، فإذا ما جاء علماء من بعد الأئمة، ونظروا في أصول أحمد فوجدوا أنه يرتب الأدلة بهذا الشكل: الإجماع والكتاب والسنة ثم قول الصحابي، ووجدت طائفة أن أبا حنيفة يقول: ثم القياس، ووجدوا مالكاً يقول: ثم عمل أهل المدينة، والإمام أحمد لا يعتبر الاستدلال بعمل أهل المدينة بنفس درجة مالك، ولا يعتبر القياس كأبي حنيفة، وأبو حنيفة لا يعتبر قول الصحابي كأحمد .. فإذا تخير العالم بعد هؤلاء تراتيب علمية له ليطردها في مسائله الفقهية، فإذا تكلم في مسألة في الطهارة، أو الصلاة، أو الحج، أو الديات، أو الجنائز، أو القضاء، أو الشهادات والهبة .. إلخ، يكون له منهج مطرد: أن القياس يقدم على قول آحاد الصحابة، أو أن قول الصحابي يقدم على القياس .. فإن هذا هو الذي يعطي الأقوال الفقهية اطراداً. ولذلك من يبطل المذهبية في هذا العصر ويقول: الكتاب والسنة والإجماع، نقول له: لم تكن التراتيب المذهبية من أجل مسألة الكتاب والسنة والإجماع؛ لأن هذه مسألة متفق عليها، لكن السؤال: إذا جئت بعد الكتاب والسنة والإجماع -أي: بعد ظواهر الكتاب والسنة والإجماع- فإنك تجد مسائل كثيرة مبنية على أقوال الصحابة، ومسائل مبنية على القياس .. إلخ، فبماذا سوف تأخذ؟ إذاً: المراد بالتمذهب هو هذا الوجه: الترتيب العلمي. إذاً: ليس من الممنوع أن العالم يقول: أنا أقدم طريقة الإمام أحمد أو منهجه الفقهي على منهج الشافعي، أو يقول: أنا حنبلي. على هذا الاعتبار، فإن هذا غير مخالف للسلفية، بل هو انتصار لقول من أقوال السلف، كما أنه لو ظهر لفقيه أن الإمام أحمد أصاب في مسألة واحدة من مسائل الفقه فانتصر له، فإنه لا يعتبر مخطئاً؛ فكذلك إذا ما نظر في تراتيب الأئمة في العراق، في الحجاز، في الكوفة، في بغداد ... إلخ، وظهر له من تراتيب الأئمة جملة من التراتيب، لما بعد الأصول المنضبطة -وهي الكتاب والسنة والإجماع- فقدم تراتيب الشافعي على أحمد، فهذا معنى أنه شافعي، لكن إذا ما زاد وبدأ ينتصر لآحاد أقوال الشافعي، ويهجر السنن فهذا على ضلال، لكن يبقى أصل التراتيب لا بأس به. هذا هو المقصود بالتمذهب السائغ ولا نقول المشروع.

أعلى الصفحة

خطأ بعض أهل السنة في مسألة التمذهب

وبهذا: يظهر أن القول بأن من السلفية ترك التمذهب ليس بصحيح، كما أنه يقال: ليس من السلفية لزوم التمذهب، ولكن التمذهب ترتيب علمي لا جدل حوله، لكن إذا زاد عن القدر الترتيبي والترجيحي السابق كان غلطاً، كما أن هذا قد يقع عند غير المتمذهبين بالمذاهب الأربعة. ولكون هذه النظرة استقرت عند بعض المعاصرين، حيث بدءوا يعتبرون في استدلالاتهم الفقهية الكتاب والسنة والإجماع فقط، ومن هنا تفرع عندهم -أحياناً- القول بأن هذه المسألة -وهي مسألة فقهية متنازع فيها- سنة سلفية .. ومن السلفية كذا. وترتب على هذا أن لم يفعل ذلك -عندهم- فهو متمذهب .. متعصب .. مقلد .. مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. ويلزم من هذا أن ينطبق هذا الكلام على إمام هذه المقالة من المجتهدين الأوائل، اللهمَ إلا إذا كان المعاصر أو الطالب المتأخر يقلد هذا تقليداً محضاً وهو يرى أن الدليل بخلافه،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير