تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يلقيه الشيطان في النفس لا يخرج عن الفكر فيما كان ودخل في الوجود لو كان على خلاف ذلك، وفيما لم يكن لو كان كيف كان يكون، أو فيما يملك الفكر فيه من أنواع الفواحش والحرام أو في خيالات وهمية لا حقيقة لها أو في باطل أو فيما لا سبيل إلى إدراكه من أنواع ما طوى عنه علمه فيلقيه في تلك الخواطر التي لا يبلغ منها غاية ولا يقف منها على نهاية فيجعل ذلك مجال فكره ومسرح وهمه.

وجماع إصلاح ذلك: أن تشغل فكرك في باب العلوم والتصورات بمعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه، وفي الموت وما بعده إلى دخول الجنة والنار. وفي آفات الأعمال وطرق التحرز منها. وفي باب الإرادات و العزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك إرادته وطرح إرادة ما يضرك إرادته. وعند العارفين أن تمني الخيانة وإشغال الفكر والقلب بها أضر على القلب من نفس الخيانة، ولا سيما إذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتها، فإن تمنيها يشغل القلب ويملؤه منها ويجعلها همه ومراده.

وأنت تجد في الشاهد أن الملك من البشر إذا كان في بعض حاشيته وخدمه من هو متمن لخيانته مشغول القلب والفكر بها ممتلئ منها، وهو مع ذلك في خدمته وقضاء أشغاله، فإذا اطلع على سره وقصده مقته غاية المقت وأبغضه وقابله بما يستحقه، وكان أبغض إليه من رجل بعيد عنه جنى بعض الجنايات وقلبه وسره مع الملك غير منطو على تمني الخيانة ومحبتها والحرص عليها، فالأول يتركها عجزا واشتغالا بما هو فيه وقلبه ممتلئ بها، والثاني يفعلها وقلبه كاره لها ليس فيه إضمار الخيانة ولا الإصرار عليها، فهذا أحسن حالا وأسلم عاقبة من الأول.

وبالجملة، فالقلب لا يخلو قط من الفكر إما في واجب آخرته ومصالحها، وإما في مصالح دنياه ومعاشه، وإما في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة، وقد تقدم أن النفس مثلها كمثل رحى تدور بما يلقى فيها، فإن ألقيت فيها حبا دارت به وإن ألقيت فيها زجاجا وحصى و بعرا دارت به، والله سبحانه هو قيم تلك الرحى ومالكها ومصرفها وقد أقام لها ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به، وشيطانا يلقي فيها ما يضرها فتدور به، فالملك يلم بها مرة والشيطان يلم بها مرة،فالحب الذي يلقيه الملك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد،والحب الذي يلقيه الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالوعد والطحين على قدر الحب، وصاحب الحب المضر لا يتمكن من إلقائه إلا إذا وجد الرحى فارغة من الحب وقيمها قد أهملها وأعرض عنها، فحينئذ يبادر إلى إلقاء ما معه فيها.

وبالجملة، فقيم الرحى إذا تخلى عنها وعن إصلاحها وإلقاء الحب النافع فيها وجد العدو السبيل إلى إفسادها وإدارتها بما معه. وأصل صلاح هذه الرحى بالاشتغال بما يعنيك، وفسادها كله في الاشتغال بما لا يعنيك، وما أحسن ما قال بعض العقلاء: لما وجدت أنواع الذخائر منصوبة غرضا للمتألف، ورأيت الزوال حاكما عليها مدركا لها، انصرفت عن جميعها إلى ما لا ينازع فيه ذو الحجا أنه أنفع الذخائر وأفضل المكاسب وأربح المتاجر، والله المستعان.

اقرئي هذا بتمعن واستعيني بالله

ـ[طالبة الخير]ــــــــ[27 - 10 - 10, 02:40 م]ـ

جزاكم الله خيرا

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير