وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول: قوله " يوم خيبر " يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة , قال البيهقي: وما قاله محتمل يعني في روايته هذه , وأما غيره فصرح أن الظرف يتعلق بالمتعة , وقد مضى في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي في الذبائح من طريق مالك بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية " وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة أيضا , وسيأتي في ترك الحيل في رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر " وكذا أخرجه مسلم وزاد من طريقه " فقال مهلا يا ابن عباس " ولأحمد من طريق معمر بسنده أنه " بلغه أن ابن عباس رخص في متعة النساء , فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر , وعن لحوم الحمر الأهلية " وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري مثل رواية مالك , والدارقطني من طريق ابن وهب عن مالك ويونس وأسامة بن زيد ثلاثتهم عن الزهري كذلك , وذكر السهيلي أن ابن عيينة رواه عن الزهري بلفظ " نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر , وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم " ا هـ
وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية ابن عيينة , فقد أخرجه أحمد وابن أبي عمر والحميدي وإسحاق في مسانيدهم عن ابن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاري من طريقه , لكن منهم من زاد لفظ " نكاح " كما بينته , وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن موسى والعباس بن الوليد , وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب جميعا عن ابن عيينة بمثل لفظ مالك , وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة لكن قال " زمن " بدل " يوم "
قال السهيلي: ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر , وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر , قال: فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري.
وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن ابن عيينة , فذكر ابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية , وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر.
ثم راجعت " مسند الحميدي " من طريق قاسم بن أصبغ عن أبي إسماعيل السلمي عنه فقال بعد سياق الحديث " قال ابن عيينة: يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر , ولا يعني نكاح المتعة "
قال ابن عبد البر: وعلى هذا أكثر الناس.
وقال البيهقي: يشبه أن يكون كما قال لصحة الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها بعد ذلك ثم نهى عنها , فلا يتم احتجاج علي إلا إذا وقع النهي أخيرا لتقوم به الحجة على ابن عباس.
وقال أبو عوانة في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر , وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح ا هـ.
والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار إليه البيهقي , لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن عليا لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب كما سيأتي بيانه ,
ويؤيد ظاهر حديث علي ما أخرجه أبو عوانة وصححه من طريق سالم بن عبد الله " أن رجلا سأل ابن عمر عن المتعة فقال: حرام. فقال: إن فلانا يقول فيها. فقال: والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين "
قال السهيلي: وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك , ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء , والمشهور في تحريمها أن ذلك في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع , قال ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح ا هـ.
فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن: خيبر , ثم عمرة القضاء , ثم الفتح , ثم أوطاس , ثم تبوك , ثم حجة الوداع. وبقي عليه حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل , فإما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها , أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة.
¥