[الشعر في حياة الصالحين]
ـ[أبو أنس الاسنوى]ــــــــ[28 - 10 - 10, 08:39 م]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أولع كثير من أبناء الصحوة -اليوم- بالأناشيد إنشاءً واستماعًا حتى صارت ديدنهم وإلفهم، وأخذت مساحة أكبر من القدر المباح الذي ورد عن السلف.
- أصبح لها فرق تُطلب بالأموال لإقامة الأفراح والاحتفالات، وتُسجل لهم أشرطة وتباع، واستخدمت الآلات الموسيقية حتى صرتَ لا تفرق بينها وبين أغاني أهل الفسق والفجور إلا إذا أنصتَّ لتفرق بين الكلام! وكانت من قَبلُ تنشد بدون آلة موسيقية، وأخذهم الشيطان خطوة خطوة حتى وصلوا إلى القول بإباحة استماع الموسيقى مستدلين بقول ابن حزم -رحمه الله-!
- ولم يُكتفَ بهذا، بل صارت بعض الجماعات تنشِّئ الناشئة على حفظ الأناشيد والتدرب على إلقائها؛ ليكونوا أعضاءً في فرقهم الإنشادية والمسرحية!
وتكون النتيجة -غالبًا- انصراف هؤلاء النشء عن طريق الالتزام فيما بعد، وهم بذلك يخونون أمانة الدعوة والتربية؛ لأن الدعوة وتربية النشء تكون بكتاب الله -تعالى-، وحضهم عليه، وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفهم سلف الأمة لا بغيرها.
فهل كان سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- يفعلون مع أبنائهم ذلك، وهل كانت الأناشيد تأخذ منهم هذه المساحة؟! لا والله كما سنبين -إن شاء الله- في رؤوس الأقلام التالية:
الشعر وما يُحمد منه ويُذم:
- "الشعر في الأصل اسم لما دق، ومنه: "ليت شعري"، أي: ليتني أعلم، ثم استعمل في الكلام المقفى الموزون قصدًا، وما وقع موزونًا اتفاقًا فلا يسمى شعرًا" انتهى من فتح الباري.
- والشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (الشِّعْرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلامِ، فَحَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلامِ، وقَبِيحُهُ كَقَبيحِ الْكَلامِ) (رواه الطبراني والطيالسي والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).
قال القرطبي -رحمه الله-: "يعني أن الشعر ليس يُكره لذاته، وإنما يكره لمضمناته، وقد كان عند العرب عظيم الموقع كما قال الأول منهم: وجرح اللسان كجرح اليد.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشعر الذي يرد به "حسان" على المشركين من قريش: (فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ) (رواه مسلم).
ما يحمد منه:
وأما ما يحمد منه: فهو الذي حمده الله -تعالى-، وحمده رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد ذكر الله -تعالى- الشعراء في كتابه فعمم وخصص؛ فقال -تعالى-: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) (الشعراء:224). "أي يروون أشعارهم؛ لأن الغاوي لا يتبع إلا غاويًا مثله" فتح الباري 10/ 661.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) (الشعراء:225)، قال الحسن البصري: "قد والله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها: مرة في شتمه فلان، ومرة في مدحه فلان ... ".
(وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ) (الشعراء:226)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أكثر قولهم يكذبون فيه".
- ثم استثنى الله -تبارك وتعالى- الشعراء المؤمنين الصالحين فقال: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء:227).
(وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) أي: "في شعرهم؛ بأن كان غالبه في توحيد الله -تعالى- والثناء عليه، والحكمة والموعظة والآداب الحسنة" تفسير القاسمي 7/ 502.
وقيل: في كلامهم بأن ذكروا الله كثيرًا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيء؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كذب بذمه كما حدث من أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله الزبعري .. " تفسير ابن كثير 10/ 387. وهناك من جمع بين القولين حيث قال: "وكلاهما صحيح مكفر لما سبق" السابق10/ 387.
(وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين".
والشعر المحمود أيضًا الذي حمده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (إن من الشعر لحكمة) (رواه البخاري)، أي: قولاً صادقًا مطابقًا للحق.
- وقيل: إن من الشعر كلامًا نافعًا يمنع من السفه.
¥