تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الله -تعالى-: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يس:69).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "يقول الله -تعالى- مخبرًا عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- إنه ما علمه الشعر وما ينبغي له، أي: وما هو في طبعه، فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته ولهذا ورد أنه -عليه الصلاة والسلام- كان لا يحفظ بيتًا على وزن منتظم، بل إن أنشده زحَّفه أو لم يتمه ... وما ورد من ذلك تامًا أو على وزن الشعر، فإما قاله -صلى الله عليه وسلم- تبعًا لقول أصحابه كما ثبت في الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام- تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- تبعًا لأصحابه الذين كانوا يرتجزون وهم يحفرون، فيقولون:

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

فيرفع صوته -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (أَبَيْنَا)، ويمدها.

أو يقوله اتفاقًا من غير قصد لوزن الشعر، بل جرى على اللسان من غير قصد إليه، كما قال يوم حنين -كما في الصحيحين- وهو راكب البغلة يقدم بها في نحور العدو:

أَنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

- وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: دَمِيَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-:

هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ

انتهى ملخصًا من التفسير 11/ 376 وما بعدها.

قال ابن حجر -رحمه الله-: "اختلف هل قاله -أي بيت الشعر آنفًا- النبي -صلى الله عليه وسلم- متمثلاً أو قاله من قِبل نفسه؛ غير قاصد لإنشائه فخرج موزونًا؟

بالأول جزم الطبري وغيره، ويؤيده أن ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس" أوردهما لعبد الله بن رواحة، قالهما يوم مؤتة لما أصيب فارتجز، وهكذا جزم ابن التين" اهـ (الفتح 10/ 664).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وكل هذا لا ينافي كونه -صلى الله عليه وسلم- ما عُلِّم شعرًا، ولا ينبغي له فإن الله -تعالى- إنما علمه القرآن العظيم الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) " اهـ من التفسير 11/ 279.

وقد كان هذا منه -صلى الله عليه وسلم- على الندرة، بل كان أبغض الحديث إليه كما قال أبو نوفل: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُتَسَامَعُ عِنْدَهُ الشَّعْرُ؟ قَالَتْ: كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ. (رواه أحمد، وصححه الألباني). والله -تعالى- المستعان.

الصحابة والشعر

قال أبو عمر القرطبي -رحمه الله-: "وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحًا ... " تفسير القرطبي 13/ 105.

وقال ابن حجر -رحمه الله-: "وأسند الطبري عن جماعة من كبار الصحابة ومن كبار التابعين أنهم قالوا الشعر وأنشدوه، واستنشدوه، وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن خالد بن كيسان قال: كنت عند ابن عمر -رضي الله عنهما- فوقف عليه إياس بن خيثمة، فقال: ألا أنشدك من شعري؟ قال: بلى، ولكن لا تنشدني إلا حسنًا".

وأخرج ابن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منحرفين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه" اهـ بتصرف من فتح الباري 10/ 663، 664.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير