ذكر ابن تيمية بأن أهل السنة: (متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله (تعالى)، وهذا هو مقصود الرسالة، فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره، وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين، بحيث لا يجوز أن يستقرّ في ذلك شيء من الخطأ) (36).
ولهذا فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (معصومٌ في التبليغ بالاتفاق، والعصمة المتفق عليها: أنه لا يُقر على خطأ في التبليغ بالإجماع) (37).
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المعصوم: (الذي لا ريب في عصمته، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد، الذي فرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والنور والظلمة، وأهل السعادة وأهل الشقاوة .. ) (38).
من أجل ذلك فإن أهل الحديث: (جعلوا الرسول الذي بعثه الله إلى الخلق هو إمامهم المعصوم، عنه يأخذون دينهم، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وكل قول يخالف قوله فهو مردود عندهم ـ وإن كان الذي قاله من خيار المسلمين وأعلمهم ـ وهو مأجور فيه على اجتهاده، لكنهم لا يُعارضون قول الله وقول رسوله بشيء أصلاً: لا نقل نُقل عن غيره، ولا رأي رآه غيره.
ومن سواه من أهل العلم فإنما هم وسائط في التبليغ عنه: إما للفظ حديثه، وإما لمعناه، فقوم بلغوا ما سمعوا منه من قرآن وحديث، وقوم تفقهوا في ذلك وعرفوا معناه، وما تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول) (39).
سادساً: لا عصمة لأحدٍ بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
قال ابن تيمية: (والقاعدة الكلية في هذا ألا نعتقد أن أحداً معصوم بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ) (40).
سابعاً: العصمة لمجموع الأمة:
قال ابن تيمية: (والله (تعالى) قد ضمن العصمة للأمة، فمن تمام العصمة أن يجعل عدداً من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه، حتى لا يضيع الحق، ولهذا: لما كان في قول بعضهم من الخطأ في مسائل، كبعض المسائل التي أوردها، كان الصواب في قول الآخر، فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلاً) (41).
وقال أيضاً: ( .. فلهذا لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة، والحق لا يخرج عنهم قط، وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول، وكل من خالفهم من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع، فإنما يُخالف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل من خالف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفاً للسنة الثابتة .. ) (42).
وقال أيضاً في بيان الواجب على المسلم: (ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً، إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا لطائفة انتصاراً مطلقاًعاماً، إلا للصحابة (رضي الله عنهم أجمعين)؛ فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه ـ دون أصحاب غيره ـ حيث داروا، فإذا أجمعوا لم يُجمعوا على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون على خطأ، بل كل قولٍ قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مُسلّماً إلى عالم واحدٍ وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم .. ) (43).
ثامناً: طاعة الأئمة والولاة في المعروف لا في المعاصي:
قال ابن تيمية: ( .. النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاجتماع والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقاً، بل أمر بطاعتهم في طاعة الله دون معصيته، وهذا يُبيّن أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة الله ليسوا معصومين .. ) (44).
¥