والواجب في المبيت أن يكون معظم الليل، قال ابن حجر – رحمه الله -: ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل.ا. هـ. ولا يشترط أن يكون آخر الليل كما يفعله من يبيتون خارج منى، ويأتون منى جميعا في وسط الليل لإدراك المبيت باقي الليل، فيستطيع الحاج المجيء إلى منى عند الغروب ويمكث أكثر الليل فيها، وفي هذا تخفيف على نفسه وعلى غيره من المسلمين.
الدفع من عرفة قبل الغروب: لا خلاف بين أهل العلم أن من وقف بعرفة ليلاً ولم يدرك جزءاً من النهار أن حجه صحيح ولا شيء عليه. قال في "الشرح الكبير": لانعلم فيه خلافاً.
وإنما اختلفوا فيمن دفع من عرفة قبل الغروب على أقوال منها:
القول الأول: لا يجوز الدفع من عرفة قبل الغروب، ومن فعل ولم يرجع فعليه دم.
وهو قول الحنفية وأحد القولين عند الشافعية وقول الحنابلة وهو قول عطاء، والثوري، وأبي ثور.
واستدلوا على تحريم الدفع قبل الغروب بفعله – صلى الله عليه وسلم -، حيث لم يدفع إلا بعد غروب الشمس، والاقتداء بفعله هذا متعين؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم".
القول الثاني: جواز الدفع قبل الغروب، فمن دفع فلا دم عليه، ولا يلزمه الرجوع، ولكن خالف السنة.
وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، واختاره النووي وهو مذهب ابن حزم
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: حديث عروة بن مضرِّس - رضي الله عنه - قال:"أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طي، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -:"من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه، وقضى تفثه " أخرجه أحمد والترمذي.
ووجه الدلالة من الحديث ظاهر: حيث دل على أن من وقف بعرفة نهاراً دون الليل فحجه تام، ولا شيء عليه.
ويُحمل فعله – صلى الله عليه وسلم - من الوقوف حتى الغروب على الاستحباب لأجل هذا الحديث.
فيكون وقوفه إلى وقت الغروب بمنزلة نزوله – صلى الله عليه وسلم - بعرفة قبل الزوال.
قال الشنقيطي – رحمه الله - "قوله – صلى الله عليه وسلم-:"فقد تم حجه" لا يساعد على لزوم الدم؛ لأن لفظ التمام يدل على عدم الحاجة إلى الجبر بدم. والحاصل أن من اقتصر في وقوفه على الليل دون النهار أو النهار دون الليل فأظهر الأقوال فيه دليلاً: عدم لزوم الدم"ا. هـ مختصراً.
الدليل الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -:"من أدرك عرفات قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج"، وفي لفظ " من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فقد أدرك حجه". رواه أحمد والترمذي.
ووجه الدلالة: أنه إذا جاز الوقوف بعرفة ليلاً دون النهار بدون دم، فلأَن يجوز الوقوف بها نهاراً دون الليل بدون دم من باب أولى، ولا يصح التفريق بين الأمرين.
وبذلك يعلم أيضاً أن البقاء في عرفة إلى غروب الشمس هو فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهديه، ولكن القول بالنفرة قبل الغروب من يوم عرفة له حظه من الاستدلال والنظر، وقال به أئمة علم يقتدى بهم، وأن الحرج الذي يصيب الناس في النفرة من عرفة حيث لا يصلون إلى المزدلفة إلاّ في ساعات متأخرة من الليل يجعل المصير إلى هذا القول والتوسعة على الناس به له اعتباره، وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أذن لضعفة أهله بالنفرة من المزدلفةخوفاً من حطمة الناس فإن المعنى موجود اليوم وعلى وجه أشد في النفرة من عرفة.
الدفع من مزدلفة قبل الفجر:
هديه النبي – صلى الله عليه وسلم – المبيت بمزدلفة إلى بعد طلوع الفجر، والمستحب الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأما الضعفة من النساء والصبيان والكبار والعاجزين والمرضى، وكذلك من لا يستغنون عن رفقته من الأقوياء فيجوز لهم الدفع بعد منتصف الليل. والمذهب الشافعي وأحمد – رحمهما الله -. جواز الدفع بعد منتصف الليل لأهل الأعذار وغيرهم.
والعمل بهذا القول مهم مع كثرة الناس وشدة الزحام، وما يلحق الناس من جراء ذلك من الكلفة والمشقة.
الترتيب بين أعمال يوم النحر: أجمع العلماء على استحباب الترتيب بين أعمال يوم النحر، وذلك بتقديم الرمي، ثم الحلق أوالتقصير، ثم طواف الإفاضة، كما رتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – في فعله.
¥