وقال البخاري:» إذا حدث عن أهل بلدة فصحيح وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر «.
وكلام الأئمة في تضعيف إسماعيل عن غير أهل بلده كثير، وما تقدم نقله عن البخاري وأحمد وأبي زرعه كاف ٍ في بيان حاله وعدم اعتباره في روايته عن أهل العراق والحجاز.
وروايته في هذا الحديث عن موسى بن عقبة، وهو حجازي، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله على حديثه هذا بعدما سئل عنه:» هذا باطل «، وقال شيخ الإسلام:» وهو حديث ضعيف بإتفاق أهل المعرفة بالحديث «.
وأما قول الشوكاني في السيل الجرار:» وتضعيفه بإسماعيل بن عياش مندفع لوروده من طريق غيره، وهو أ أيضا لم يقدح فيه بما يوجب عدم صلاحية حديثه للاحتجاج به «. ففيه نظر.
فقد تقدم نقل بعض كلام الأئمة الكبار الذين عليهم المعول في هذا الشأن في تضعيف إسماعيل وأنه لا تقوم به حجه في روايته عن أهل الحجاز
والعراق، وأما قوله» لوروده من طرق غيره «.
فجوابه أن جميع الطرق فيها ضعف ونكارة، فقد رواه الدار قطني في سننه من طرق عبد الملك بن مسلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ..... مرفوعاً به.
وهذا سند منكر لحال عبد الملك. قال عنه ابن يونس: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: هو مضطرب الحديث. وقال ابن حبان: يروي منا مناكير كثيرة.
وله طريق آخر عند الدار قطني من طريق رجل عن أبي معشر عن موسى بن عقبة به.
وهذا سند لا تقوم بمثله حجه ـ للإبهام وضعف أبي معشر ـ فقد قال عنه يحيي بن معين:» كان أمياً ليس بشيء «.
وقال أحمد بن حنبل:» حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد ولكن أكتب حديثه أعتبر به «.
وقال البخاري:» لا أروي عنه شيئاً «. فهذا ما أشار إليه الشوكاني في قوله (من طريق غيره).
وليس فيها ما يصلح متابعاً لطريق ابن عياش , فالأمر كما قال الأمام أحمد» هذا حديث باطل «.
4 - واحتج أصحاب هذا القول أيضاً بقصة عبد الله بن رواحة مع زوجته وإقرار النبي r لذلك. وهي قصة مشهورة مذكورة في كتب السير وبعض كتب العقائد،كرد الدارمي على الجهمية، وإثبات صفة العلو لابن قدامة. وقد جاءت القصة بألفاظ مختلفة ملخصها أن عبد الله بن رواحة مشى ليلة إلى أمة له فواقعها فلامته امرأته في ذلك فأنكر. وكانت قد رأت جماعه لها , على ما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب فقالت له: إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن فالجنب لا يقرأ القرآن , فقال
شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء حق وفوق العرش رب العالمين
وتحمله ملائكة غلاظ ملائكة الإله مسو مينا
فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه، وفي بعض طرق هذه جاء أن النبي r أخبر بذلك فضحك ولم يقل شيئاً.
وقد قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله على هذه القصة:» رويناها من وجوه صحاح «.
وفي هذه القصة دليل على أنه متقرر بين الصحابة أن الجنب لا يقرأ القرآن , وأن هذا الأمر كان معلوما عند النساء والرجال. هذا على تسليم ثبوت هذه القصة. و لكن الراجح عند أهل الحديث أن القصة ضعيفة السند وليس لها طريق صحيح عند من رواها.
وقول ابن عبد البر:» رويناها من وجوه صحاح «فيه نظر , فقد جاءت القصة عند الدار مي في الرد على الجهمية , وغيره من طريق قدامه بن إبراهيم ابن محمد بن حاطب أن عبد الله بن رواحه وقع بجارية له , فذكر القصة.
قال الذهبي في العلو 1 (منقطع) أقول: وذلك بين قدامه وابن رواحه.
قال الإمام النووي رحمه الله:» إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع «والأمر كما قال , فليس لهذه القصة سند يثبت، والله أعلم.
5 - وقد روى الدار قطني في سننه عن عبد الله بن رواحه أن رسول الله r :" نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب " وسنده ضعيف فيه زمعة بن صالح , والراوي عنه إسماعيل بن عياش. وقد تقدم أن روايته عن أهل بلده ضعيفة وهذا منها. وفي السند علل أخرى لا نطيل بذكرها ما دام أنه تبين ضعفه وعدم قيام الحجة به.
ومن الأدلة أيضا لأصحاب هذا القول:
6 - ما رواه عبد الرزاق في مصنفه
عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبيده السلماني قال: كان عمر بن الخطاب t يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب.وهذا سند صحيح إلى عمر t.
¥