إن الله جلّ جلاله أخبرنا عن طائفةٍ متلوِّنةٍ تعيش في أوساط الناس، لكنها لا تطيق الحقَّ المصادم لهواها. تراهم: ?مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ?، فإن وافق الحكمُ الشرعيُّ مقرراتِهم المبيَّتةَ تراهم يُسارعون إلى قبول الحكم أو الفتوى، وإلا رأيتهم معرضين معارضين. ?وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ?. ولقد بلغتْ بالصحافة الرَّقاعةُ واللَّكاعةُ، الغَثاثةُ والعَتاهةُ، والرُّعونةُ والأُفونةُ حينما هُرِعوا ينقِّرون في بطون مجاميع فتاوى علمائنا الراحلين - عليهم رحمة الله - ليظفروا بصيودٍ ثمينةٍ من فتاواهم تناقض فتاوى اللجنة الدائمة الحالية في محاولةٍ لئيمةٍ منهم لضرب كلام العلماء بعضِهِ ببعض، وأنَّى لهم التناوش، فكلُّ فتوى لها لَبُوسُها، فارتدوا على أدبارهم خاسئين حسيرين.
إن المسؤولية الإيجابية المنتظرة من أُهَيْل الصحافة هي تسخيرُ الوسائل الإعلامية في نشر فتاوى علمائنا الثقات، وتأليف قلوب الناس عليها، والتوجيه الإيجابي لتقبّلها حرصًا على تماسك المجتمع وتحقيقاً للصالح العام.
فيا آل صحافتنا! كفى تغريباً للمجتمع، كفى مهانةً للمرأة، كفى نيلاً من الشريعة، كفى تحطيمًا للثوابت، كفى هزءًا بالمشايخ، كفى شقًّا للصف، كفى طعنًا في الدين.
كم كنا نتمنى على صحافتنا أن تستكتب أقلامًا صادقة ناصحة - ولا أنكر وجود نفرٍ قليلٍ منها - تتعامل مع قضايانا بموضوعية مجرّدة عن الهوى، لا تتصادم مع المرتكزات الشرعية، ولكنَّ دهماءَ الصحفيين ما زادوا المجتمع إلا خَبَالاً، يَبْغُونَهم الفِتْنةَ، ألا في الفتنة سقطوا: ?لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ?
إن البيان الملكي الصادر قبيل ثلاثة أشهر بشأن ضبط الفتوى، قد أسند أمر الفتوى العامة إلى هيئة كبار العلماء، وابتسمت الصحافة لهذا البيان وهلّلت به، وحسبت أنها على شيء، وظنّت أنها ستجعل منه عصىً غليظةً تُلِّوح بها ضدِّ المحاربين لمشاريعهم التغريبية، وخاب ظنُّهم بظهور أول فتوىً رسميةٍ بعد البيان بتحريم عمل المرأة كاشيرًا.
وطالما طنطن الإعلام بسعودة الفتاوى، وصكّتْ آذانَنَا تيك المقالات، ولمزوا أشياخًا ثقاتٍ ودُعاةً أثباتًا من غير السعوديين، بَيْدَ أن الإعلاميين أولُ من خرق جدار السعودة، لما استنجدوا بفتاوى علماء من خارج السعودية، ليُحِلُّوا عمل الكاشيرة، كما صنعوا من قبل في فتوى المسعى. ونسوا أو تناسوا أن البيان الملكي هدّد وأوعد كلَّ من ينال من سمعة علمائنا، ومؤسساتنا الشرعية بتعريض نفسه للمحاسبة والجزاء الرادع كائناً من كان.
أيا ولاة أمرنا! جاء دوركم الآن دِيناً تدينون الله به، ومسؤوليةً تضطلعون بها. الناس قد قرأت في صحفنا الرسمية التطاول المقيت على العلماء، والإزراء بلجنة الإفتاء، وعمدتْ إلى استيراد فتاوى من خارج البلاد.
فالحالة الآن حالة ارتقابٍ وانتظارٍ:
أولاً: بإيقاع الجزاء الرادع على منتهكي البيانات الشرعية والملكية، وناقضي العهود والمواثيق، بلا تهاون ولا تقاعس، «كلُّكم رَاعٍ ومسؤولٌ عن رَعِيَّته، فالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّته» متفق عليه.
ثانيًا: بكفِّ الأذى الصحفي عن الناس، فالنفوس ضعيفة، والشُّبَهُ خطَّافة، والمغرض يترقب. وإذا كانت البلاد والعباد عانتْ وتعاني من الإرهاب والتطرف، فإن من أقوى عوامل تغذيته التطرف المضاد.
قال ابن خلدون في مقدمته (1/ 274): ((وأما الفتيا، فللخليفة تَصَفُحُ أهلِ العلم والتدريس، وردُّ الفتيا إلى مَنْ هو أهلٌ لها، وإعانَتُه على ذلك، ومنعُ من ليس أهلاً لها، وزَجْرُه؛ لأنها من مصالح المسلمين في أديانهم، فتجب عليه مراعاتُها لئلا يتعرضَ لذلك مَنْ ليس له بأهْلٍ، فَيضِلّ الناس)).
ثالثًا: بتفعيل فتوى تحريم عمل المرأة كاشيرًا خاصَّةً، وجميعِ الفتاوى والأنظمةِ والتعاميمِ التي تمنع الاختلاط في جميع ميادين العلم والعمل.
رابعًا: الناس ترتقبُ قراءةَ "بيانٍ مُعْلنٍ" بتوقيع جُمْهورِ أهل العلم والرأي الرشيد، فيه استهجانٌ لهذه التجاوزات الصحفية الأثيمة؛ نصرةً للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كي تعود الأمور إلى نصابها الصحيح العادل.
خامسًا: وبعد أن تَحَصْحَص الحق، وثبتَ باليقين أن الصحافة ومن وراءها هم أولُ من يكسر القرارات الملكية والشرعية، ويخرق أنظمة البلد، فإن العجبَ تلو العجب لا ينقضي من إجراءات إيقاف رسائل جوال "زاد" و"فكر" و"إنجاز" وغيرها، وحجبِ مواقع إلكترونية متميزة كمواقع "الشيخ محمد المنجد" والشيخ محمد الهبدان" وغيرهما، وقناة "الأسرة" الفضائية دون جريرة ظاهرة وجنحة واضحة!.
وختامًا: يا إعلاميون! قال تعالى:? فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ?، وفي القرآن: ? مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ?. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» رواه أحمد
والله تعالى أعلم
ناصر العلي
[email protected] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/[email protected])
جامعة أم القرى
¥