ولشكي في مال أبي من حيث الحل والحرمة توجهت بشكوكي إلى أحد المشايخ المشهود لهم بأنهم من أهل السنة، فأفتى لي بأن ماله مختلط ولا يجوز لي منه إلا الضروري كالأكل والشرب واللبس ومصاريف الدراسة، أما ما أحتاجه كرأس مال لمشروعي فيجوز أخذه منه على سبيل القرض وقد كان والآن أبي يريد مساعدتي بدافع الأبوة فيقف معي في المحل وفى بعض الأوقات كنت أترك له المحل وأذهب لقضاء حاجات للمحل ولنفسي، وهكذا بدأ أبى يتعلم عملي ويعمل بنفسه وهنا بدأت المشكلة الأولى .. وهى أنني كنت قد حسبت كل المبالغ التي كنت قد أخذتها من أبى حسابا دقيقا، أما بعد وقوفه معي أصبح الأمر مختلطا فأبى ٌقد يخرج من جيبه مالا يضعه في درج المحل أو قد يشترى بضاعة للمحل من جيبه الخاص. وهذا يمكن بكثير من المجهود حصره، أما ما لا يمكن حصره هو أنه قد يشتري طعاما للبيت ثم يجد المحل محتاجا له فيأتي ببعض ما اشتراه للبيت ويضعه في المحل, ويكون هذا دون علمي واستشارتي ودون أن يحسبه كم يتكلف علىّ لأرده.
أما المشكلة الثانية .. فأبى غير مقتنع بردي المال له فهو يعتبره مالي ومال إخوتي وأنه يعمل ويأت بهذا المال من أجلنا فهو لن يقبل رد المال أبدا
أما المشكلة الثالثة .. أنه غير مقتنع بحرمة ماله - إن كان حراما - فهو يرى أنه من (الضرورات التي تبيح المحظورات) فإن عمله الحكومي يتقاضى عنه ما يقل قليلا عن 400 جنيه - لاحظوا الفرق أكرمكم الله- .. ونحن أسرة مكونة من خمسة أفراد منهم اثنان يدرسون دراسة جامعية .. وهو يرى أن مال الدولة كله حرام فالدولة تتعامل بالقروض الربيوية وتأخذ الضرائب وتجيز العمل في تجارة الخمور، وبالتالي فلا أحد يعمل إلا وفى ماله جزء حرام ... والسؤال الآن
1 - ما حكم مال أبى؟ وهل تنطبق عليه قاعدة الضرورات تبيح المحظورات؟ وإن كان كذلك هل يجوز لنا الحرام بالتبعية؟
2 - كيف أحسب ما أدخله أبى عندي من مال إن كان هو لا يستطيع حسابه؟
3 - كيف لي أن أرد له هذا المال –إن وجب الرد- إن كان هو رافضا أخذه؟ وهل يجوز لي أن أصر على الرفض وأن أسدد ما علي من ديون لأصحابها (رد المظالم)؟
4 - ما الذي يجوز لي من مال أبي؟ وإذا مات هل يجوز لي أن أرث ماله؟.
الحمد لله
لا شك أن العمل في مجال السياحة على ما هو موجود في واقعنا الآن، لاسيما في بلادكم، تشوبه الكثير من المخالفات الشرعية، من رعاية الاختلاط، والتبرج، وربما الخمور والمحرمات الأخرى، وإذا كان الأمر كذلك، كان جزء من مال أبيك محرما، وهو ما يسمى عند العلماء بالمال المختلط.
وقد قرر أهل العلم أن من كان له مال مختلط من الحلال والحرام، فإنه يجوز الأكل من ماله، وتجوز سائر وجوه معاملته، إلا أن التورع عن ذلك أولى.
أما احتجاج والدك بأن ذلك ضرورة، فهو غير صحيح، لأن أبواب الحلال كثيرة جدا، وقد قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، ولو فتح الإنسان على نفسه هذا الباب، لولج كل أبواب الحرام بحجة الضرورة.
واعلم أن أكل الحرام له عواقب وخيمة، لو لم يكن منها إلا الحرمان من إجابة الدعاء، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ... ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ له " رواه مسلم برقم 1015
ومال أبيك الذي اكتسبه عن طريق هذا العمل المحرّم يسمّيه العلماء مالاً محرّماً لكسبه، أي أنه اكتسبه بطريق محرّم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا المال يكون حراماً على مكتسبه فقط، وأما من أخذه منه بطريق مباح فلا يحرم عليه كما لو أعطاك والدك هدية أو نفقة وما أشبه ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة ولنا منها هدية) " القول المفيد على كتاب التوحيد 3/ 112
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " تفسير سورة البقرة 1/ 198
وعليه، فلك أن ترث والدك، وليس عليك أن تحسب ما أدخله عليك، أو أن ترد ما أدخله عليك، إلا أن التورع عن الأكل من ماله إن استطعت أولى.
والله أعلم.
للمزيد انظر (أحكام القرآن لابن العربي 1/ 324، المجموع 9/ 430، الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي 2/ 233، كشاف القناع 3/ 496، سؤال رقم 21701).
الإسلام سؤال وجواب
¥