إنَّ الشيطان ينزغ بين العبادِ [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا] لذا. قال تعالى لنبيه [قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ] فأمره بالتعوّذِ من همزاتهم ومن حضورهم, ودلّت الآيةُ أنَّ هناك من الشياطين ما هو نشطاء وما هم لبداء, ويزيد ذلك دلالة الحديث في صحيح مسلم: عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ - قَالَ - فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ». قَالَ الأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ «فَيَلْتَزِمُهُ».
فليتنبه لهذا بني الزوج, وأن لا يدع من الغضبِ نزغاً وتفريقاً شتاتاً, ثم إن المغاضبةَ لا بدًّ وحاصلةٌُ, من أهلِ الفضلِ والصلاح والفساد, لكنَّ المؤمنين إذا تذكروا بربهم ذكروه, فقدوتنا "إبراهيم الخليل" عليه الصلاة والسلام, فقد كانَ متزوجاً سارة –وكانت أجمل نساء زمانه- وجاءَ أحد الجبابرة وبلّغ عنها, فدعاها وزوجها, فأرادها, فدعت عليه ثلاثاً لا يستطيع حراكاً, حتى قال: أخرجوها فإنما هيَ بشيطانَ. فأعطى الجبار إبراهيم هاجرَ أم إسماعيلَ فكانتْ أمةً عند سارة, ثم ملكته لإبراهيم, فغشيها فولدت له, فنشبتِ الغيرةُ وهربت بمنطقها –وهيَ أوَّل من اتخذت المنطق- إلى مكة, فهذه سارة زوجة خليلنا وقدوتنا إبراهيمَ قد توعَّدت هاجرَ إن لقيتها لتقطعنَّ منها بعضُ أعضائها, فالشاهدُ: أنّه إن كانَتِ المشاكل ومساوئ الحال منها! وكما حصلَ مع أيوب –عليه السلام- لما قسمَ إن عافاه الله ليضربنَّها (مائة جلدة) فلما عافاه الله وأرادَ أن يبرَّ بقسمِهِ قال الله له [وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ] أي شمخاراً مكوناً من 100 عصا تضربها في جلدةٍ –وهذه خاصية لأيوب عليه السلام- وذلكَ لبر زوجتِهِ ووفاءِها في مدة تزيد على (18سنة) بعد أن هجره قومه وبعد عنه أهله.
وكما حصل مع النبي –صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته, فقد روى مسلم في "صحيحه" أنَّه دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ - قَالَ - فَأُذِنَ لأَبِى بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا - قَالَ - فَقَالَ لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِى النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا.
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ «هُنَّ حَوْلِى كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِى النَّفَقَةَ». فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلاَهُمَا يَقُولُ تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. فَقُلْنَ وَاللَّهِ لاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ. ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ في مشربة له ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ) حَتَّى بَلَغَ (لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا).
فكانَ في بيته -صلوات الله وسلامه عليه- نوعاً من المغاضباتِ من زوجاتِهِ, ولكن يصلح الأمر ويهدأ ويزداد بذلك حباً لنسائه.
¥