الأمرُ الثَّالث: (وَاضْرِبُوهُنَّ) , رخَّص النبي في ضرب النساء النواشز وبيَّن النبي –عليه السلام- أن يكونَ غير مبرِّحٍ, فلا يكسرُ عظماً, ولا يخضِّر جلداً, بيدَ أنَّ اتقاءَ الضَّربِ قدر الاستطاعة من سنَّة النبي عليه السلام, إذ إنه ما ضربَ خادماً ولا زوجةً, إلاَّ ما كانَ من الضَّربِ الخفيفِ كماضربَ النبيُّ –عليه السلام- عائشةَ لمَّا رجع من البيقعِ وكانتْ مترصِّدةً له فلما رجعَ سرعت قبله, فإذا هيَ تلهث فقال لها: مالكِ يا عائش! حشيا رابية –أي مالك تنهجي بنفسٍ شديد- فأخبرته الخبر,,فقال لها: أظننت أن يحيفَ الله عليك ورسوله. قالتْ عائشة: فلهدني في صدري لهدةً أوجعتني.
ثمَّ قال تعالى [فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا] إذاً قد انْتَهى مسائلُ الهجرانِ وانْتَهى مسائل الضرب, بل ليسَ من حقَّكَ ذاكَ إن هيَ أطاعتك, ولا تختلقوا الأسباب الفارغة التالفة لتضربَها فلا تلخنْ منكَ ومن قدرتِكَ على بحجَّتكَ وهيَ لك مطيعةٌ, ثمَّ هدَّد الله الزَّوجَ إن نشزَ أمر الله تعالى بقوله [إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا] فاللَّهُ أقدر عليك زوجتِكْ لكونِ أهلها فقراءَ أو ضعفاءَ!. فاللَّه قادرٌ أن يتنقمَ منكَ إما بمرضٍ يحل بك, وقد يتسلَّط عليكَ شرّيرٌ عربيدٌ بغير حقٍّ منهُ, عقاباً من الله بسبب ما كسبت يداكَ ممَّا صنعتَ, وتذكر دوما أن لو كانَ لك بنت متزوجة فهل ترضى لأختِكَ أن تؤذى أو تهانَ أو أن تظلمَ من زوجها؟ فاعلم أيها الزوج والزوجةِ أنَّ اللَّه يراكما فاتقيا الله في السرِّ والعلَنِ.
قال تعالى [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)] النساء.
[وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا] اختلفَ العلمَاءُ فِي المُراد بخفتم, فقال كثير المفسرين: أي "علمتم" أي إن علمتم أهل الأولياء أن هناكَ ثمة شقاق بين زوجين فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن نشبت المشاكل بينهما, لأن الشيطان لا يبرأ أن يوسوس للعبادِ في طرق الشرِّ والفسادِ, لذا قال هالله [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا] وقال تعالى [يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
وقال –عليه السلام- في التحذير من التفريقِ بينَ المرءِ وزوجِهِ: من خبب خادما على أهلها فليس منا ومن أفسد امرأة على زوجها فليس هو منا. وتوالت النصوص في الأمر بالإصلاح قال تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] وقال تعالى [لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] فنفى الله الخيريةَ في غير المعروفِ منها إصلاح بين الناسِ, ووعد بالأجر العظيم لمن أصلحَ بين الناس ابتغاءَ مرضاتِ الله.
عن زُهَيْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِى حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». ولقدْ وصف النبي الكريم سبطه بالسيادةِ لأمر عظيم فقال: إن ابني هذا سيد ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وقد كانَ ما أخبرَ بهِ النبي –عليه السلام- فبعد مقتل عليِّ –رضي الله عنه- بويع ابنه الحسنِ مثل كتائب الجبالِ كلها تريد قتل معااوية وأهل الشام, فنظر الحسن نظرة العاقل ورأى أن فئة
¥