ففي هذه الآية جعل الله سبحانه وتعالى عدة الفتاة الصغيرة ثلاثة أشهر بعد دخول زوجها بها، فدل على جواز العقد بها وهي صغيرة بل ودخول زوجها بها، وذلك لأن هناك فرقاً بين البلوغ وكون الفتاة مهيأة للجماع، فإن الفتاة تخرج عن طور الطفولة فتكون جاهزة للجماع قبل الحيض بما يقارب السنتين، فتكون مهيأة للجماع ولو لم تحض، والحيض يأتي بعد نضوج هذه الفتاة، فالميزان إذاً هو اكتمال بنيتها لا حيضها وبلوغها.
وقال الجصاص في كتابه " أحكام القرآن": (فتضمنت الآية جواز تزويج الصغيرة).
وقال ابن قدامة في "المغني": (وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق).
2 - ويقول الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تفسير هذه الآية عندما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير: (يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنَّ إلا أن يقسطوا لهنَّ، ويبلغوا بهنَّ أعلى سنتهنَّ في الصداق) متفق عليه.
فقولها رضي الله عنها: فيريد أن يتزوجها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا يدل على مشروعية زواج الصغيرة التي لم تبلغ، لأن اليتم إنما يكون قبل البلوغ، فلا يتم بعد البلوغ.
3 - ويقول الله تعالى: (ويستفتونَك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللآتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك). متفق عليه.
الأدلة من الأحاديث:
1 - من أدلة الزواج المبكر قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه.
والحديث يخاطب الشباب عموما رجالا ونساء، والشباب هو من بلغ الحلم إلى أن يصل إلى سن الثلاثين على قول، وقيل: إلى الأربعين.
قال النووي في "شرح صحيح مسلم": (والشباب جمع شاب ويجمع على شبان وشببة والشاب عند أصحابنا هو من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة).
وقال السيوطي في "الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج": ("يا معشر الشباب":
المعشر: الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر والنساء معشر والأنبياء معشر وكذا ما أشبهه. والشباب: جمع شاب وهو من بلغ ولم يجاوز ثلاثين).
وقال الشيخ أحمد النجمي رحمه الله في "تأسيس الأحكام": (والشباب: هم الذين يجمعهم هنا وصف واحد ويطلق على من بلغ إلى أن يصل إلى الأربعين على القول الأصح وقيل إلى ثلاث وثلاثين وهو منتهى الشباب).
وقال رحمه الله في شرح هذا الحديث في بيان فوائد الحديث المذكور:
(خامسا: إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزواج لمن له عليه استطاعة إرشاد إلى أسباب الخير واستقرار النفس ...
ولا يفوتني في هذه المناسبة أن ألفت النظر إلى المؤتمر الإجرامي الذي عقده اليهود والنصارى، يقصدون به محاربة "التزوج المبكر" ويشجعون فيه على العزوبة ويقررون فيه التشجيع على المدارس المختلطة ودراسة التثقيف الجنسي - حسب قولهم - وقرروا فيه فتح مستشفيات بقيم رخيصة يتعاون المستشفى مع المجرمين على الإجهاض فحسبنا الله عليهم وأعاذ الله المسلمين من شرورهم، إنهم دعاة إلى الشر وإلى انتشار الفواحش فعليهم لعائن الله وبالجملة فإن الواجب على المسلمين في مقابل ذلك أن يشجعوا على الزواج المبكر بتخفيف مؤنة الزواج وتيسير أسبابه امتثالا لأمر نبيهم صلى الله عليه وسلم كما في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" وبالله التوفيق).
¥