مزالّ القراءة
ـ[عبدالله الشمري]ــــــــ[17 - 11 - 10, 05:23 م]ـ
مزالّ القراءة
عندما تكثر الأفعال: تزداد نسبة الأخطاء، وهذه قراءة بسيطة لتجربة القراءة، حاولت أن استشف منها مواقع الزلل؛ لئلا تكون حجر عثرة في سبل الرقي والتقدم!
المزلة الأولى: وهم المعرفة!
كثير ممن يقرأ كتابًا أو كتابين؛ يظن أنه قد ملك نصاب المعرفة، وأنه ربّان سفينة العلم، والنفس أسيرة –في الغالب- للمعلومة البكر أيًّا كان مصدرها، وهذا ما يفسر لك التعصب للآراء الأولى، والتي قلمّا يتخلص منها الإنسان ولو بعد حين، لذا لا بد من تعدد مصادر المعرفة، والتحقق منها، وقد كان مما يتواصى به أهل التجربة: لن تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره.
المزلة الثانية: الانتشاء المعرفي!
سكرة تصيب بعض رواد القراءة، فتعميهم نشوة المعرفة عن رؤية قصورهم، وتركز نظرتهم على قصور الآخرين المعرفي، مما يعظم عندهم الذات: فلا يرون الآخرين إلا عوامًا وجهالًا وعالة وأصحاب علل!، وعندما تغفو السكرة وتصحو الفكرة: يدركون أن القصور للجميع شامل، وأن من عرف شيئًا؛ فقد غابت عنه أشياء!
المزلة الثالثة: الصوابية اللازمة!
يظن كثيرٌ ممن منَّ الله عليهم بسلوك درب القراءة؛ أنهم لا بد أن يكونوا على صواب دائمًا، وهذا مما يصح أن يقال عنه: دونه خرط القتاد، فكل رأي لا يسنده نص = لا يقبل القطع، وتظل آراء الرجال قابلة للقيل والقال، ولا يعني هذا ألا تميل إلى رأي دون رأي – فهذا مما تأباه الطبيعة-، ولكن وطّن نفسك على ألا تشحذ قواطع الرأي؛ إلا على سنان التمحيص والتدقيق!
المزلة الرابعة: تكلف المخالفة!
يظن بعض القراء؛ أن من مقومات الاستقلال: مخالفة السائد من الأقوال، وهذا مبني على افتراض أن المتابعة: مذمومة بإطلاق!، فيجنح بوعي – وبدونه في أكثره- إلى: المخالفة لذات المخالفة، وليس بحثًا عن صواب، وهذه إشكالية ولدت بعد أن كثر التقليد الأعمى، ولن يُحلَ الإشكال: بإشكال، وإنما الحل يكمن في اتباع الحق مع من كان!
المزلة الخامسة: إشكالية التكاثر!
مما يحمد للقارئ: كثرة القراءة، فسعة اطلاع الأفراد تقاس من خلال وفرة المقروء، ولكن هذا شيء؛ وأن يكون هاجس القارئ: تعداد ما قرأه شيء آخر، فهمّه أنه قرأ كذا وكذا من الكتب، أو كذا وكذا من الساعات، فليست العبرة بكثرة الأكل، وإنما بجودة الهضم!، وثمة فرق بين القارئ النهم، والقارئ الذكي، وإن كان لابد من اختيار بينهما؛ فليكن للثاني!
المزلة السادسة: القراءة الخادعة!
بعض الكتب لا تزود القارئ بالقوة العقلية، ولا تقدم له التغذية الفكرية، وحين يكون الإنسان حبيس فن ما؛ فإن أدواته الفكرية، وقدرات عقله التحليلية: لا يطالها كثير نماء، لذا يظن بعضهم أنه قد بلغ من الثقافة مبلغًا حين يقرأ كثيرًا في الروايات و القصص والأشعار، ورغم ما فيها من محاسن؛ إلا أن الوقوع في أسرها يجعل الإنسان محدودًا مهما توسع فيها!، فليلبس الإنسان لكل مرحلة من مراحل المعرفة: لبوسها من نوعية المقروء!
المزلة السابعة: القراءة الضائعة!
بعض القراء تجد كتبه بيضاء ناصعة؛ كأنها للتو قد جُلبت من المطبعة، فالقراءة عنده مجردة من تفاعل أي حاسة سوى العين، وعادات القراءة تختلف باختلاف الأشخاص والأعمار والأحوال ونوعية المقروء، ولكن تتابع أهل القراءة على التذكير والتأكيد على أهمية الكتابة، فالكتابة صيد للفوائد المتناثرة على جنبات الكتب، والاعتماد على الذاكرة في تحصيلها: اعتماد بدون عَمَد، فالنسيان آفة إذا تكاثر العدد، فلا بد من التقييد بأي شكل كان.
المزلة الثامنة: القراءة الناقصة!
يفتح أحدهم دفة الكتاب، ويشرع في القراءة وما أن يجتاز شيئًا يسيرًا حتى يمل ويضع الكتاب جانبًا، ثم يشرع في قراءة كتاب آخر دون عودة للكتاب الأول، وهذه القراءات المجتزأة: تولد تصورات ناقصة، توهم صاحبها بأنه قد حصل شيئًا مذكورًا، فتتولد منها آراء مشوهة؛ لأن القراءة الناقصة: لن تخرج عقًلا يملك أدواتٍ حرة: تمكنه من محاكمة الأحداث والآراء وفق سنن المنطق والصواب!
المزلة التاسعة: القراءة العشوائية!
حينما يغيب الهدف من القراءة؛ فإن العقل يمخر عباب الفكر دون وجهة محددة، وغياب هذه الوجهة: يجعل العقل متقلبًا في رياح الفكر: فأي مهب قد يسوقه!، فالقراءة العشوائية: تصف المعلومات دون ترتيب؛ مما يجعل عملية الإفادة منها، والبناء عليها: عملية متعسرة!
المزلة العاشرة: تضخم الأنا!
حينما يدخل الإنسان عالم المعرفة من بوابة القراءة؛ يبهره جمال هذا العالم، فيداخله الزهو المعرفي، مما يجعل بعض الداخلين يأنف من التخطئة والتصويب، ويرفض النقد والتقويم، وهذه المزلة نتاج مما سبق، ولذا لا بد لكل قارئ أن يعرف الفرق جيدًا بين عتبة باب القصر وبين عرش الملك، لئلا يستميت من أجل عتبة!
هذا ما تيسر إيراده والأمر يقبل المزيد، إذ لا يكفي من قلادته ما أحاط بالعنق، والله الهادي إلى سواء السبيل.
أورنجزيب.
¥