[ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب]
ـ[بكيل]ــــــــ[21 - 11 - 10, 03:08 م]ـ
[ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب]
جملة موجزة بليغة هي طرف من حديث نبوي عظيم تكاد وأنت تقرؤه تحس فيه أنفاس النبوة وتدرك أثر البلاغة النبوية بما فيها من إيجاز يجمع من المعاني الكثير.
إنها جملة تصور حالة نفسية للبعض ممن جعلوا من الكذب حرفة لهم وأسلوب حياة لا يفارقهم في جميع شؤونهم.
يتتبعون مواطن الكذب ويتحسسون مواقعه وينتقون من الكذب أبلغه في الكيد والخداع ليتم لهم ما يريدون ويحققون من ورائه الأهداف التي يسعون إليها.
لأن القاعدة المتبعة في حياتهم هي: الغاية تبرر الوسيلة.
ومادام أن الكذب وسيلة ناجحة – في نظرهم – فليجعلوا منه سلما يرتقون به لتحقيق أطماعهم ومآربهم.
ولو تتبعت وسيلتهم وطريقتهم لرأيت الواحد منهم لا يفتؤ يختلق كذبة حتى يتبعها بأختها.
وفي عصرنا الحاضر أصبح التحري للكذب يتخذ أساليب أكثر مكرا وخداعا، بل أصبح يقدم للناس بألوان متعددة على أنه فن من فنون الحياة.
فانظر إلى بعض كتابنا كيف يقدمون الكذب بصورة علمية وفكرية ليخدع بذلك المغفلين من القراء الذي تنقصهم النظرة الواعية لأسلوب البعض في الكتابة فيخدع ببريق بعض الأفكار التي يعرض لها الكاتب مستدلا بخطأ ذلك العالم أو ذاك الداعية.
ومن العجب العجاب أن ترى من يكذب بأسلوب علمي يقدمه لناس على أنه اكتشاف ينبغي الاحتفاء به، والأعجب منه من يجد من يتقبل ذلك، والأعجب من كل ذلك أن ترى من يقدم هذا الاكتشاف الكاذب على الحقائق العلمية التي لا يتطرق إليها الشك.
وها أنت تسمع من يجعل مما يسمى البرمجة اللغوية العصبية علما يروج له ويقدمه للناس على أنه اكتشاف عصري لم يسبق إليه أحد ناهيك عن أولئك الذين يجيدون حياكة فن الكذب بطريقة إعلامية جذابة، تثير انتباه العامة فينجذبون إليها بإيمان ويقين،فالبعض منهم يظهر على هذه القنوات مدعيا القدرة على علاج جميع الأمراض بدون استثناء
من أخطر الأمراض إلى أهونها.
وحتى يتم تأكيد ذلك فإنه يقدم شهادات أولئك الذين وجدوا الشفاء على يديه وقد كانوا من قبل على شفا الموت.
ومهما حاولت أن تقنعهم بأن الأمر كله من أوله إلى آخره كذبة كبرى لن يصدقوك.
و الكذب في البيت بذرة خبيثة تنبت شجرة خبيثة بثمار خبيثة يقطفها الأبناء ليكونوا ثمرة مرة يحصدها المجتمع.
إن للكذب آثارا سلوكية سيئة قد تبلغ بصاحبها مبلغ النفاق _ والعياذ بالله _ لأن الكاذب يتلون في أحواله ويظهر بأوجه متعددة، فيداري هذا ويجامل ذاك وينافق آخر وهو في كل ذلك يحرص على مصالحة الذاتية فقط.
نعم إن الرجل الكاذب رجل أناني ينكفئ على نفسه فقط ولا يرى إلا نفسه، فتجده يحيط نفسه بهالة من الإعجاب والفخر ليس لها نظير.
ومن أسوء آثار الكذب السلوكية المشي بين الناس بالنميمة وإحداث الفتنة ثم هو يخرج من هذه الفتنة من باب الكذب – أيضا – كما قد دخلها من نفس الباب.
والكاذب لا يزال يفتل في الذروة والغارب ليوقع هذا ويخدع ذاك بأساليب مبتكرة تتعجب كيف توصل إليها وكيف استطاع تمريرها على الآخرين.
ويتبين لكل واحد أن الكذب إدمان يستعصي على الشفاء مهما صنعت مع صاحبه، وتبلغ ذروة الكذب مبلغها حين يتصل بقضايا تنسب إلى العلم زورا وبهتانا، فها نحن أولاء لا نزال نسمع أولئك الذين جعلوا مما يسمى (البرمجة اللغوية العصبية) علما يقدمونه للناس كحل سحري لجميع قضاياهم الإدارية والفكرية وحتى السياسية مع أنها مجرد نظريات أو قضايا داخلة في إطار علم النفس، فلم نكن بحاجة لأن نخدع بعلم جديد مع أنه يفتقر للمعايير التي تجعله علما مستقلا بذاته ..
ومن آخر عجائبهم ما أسموه قانون الجذب الذي قدموه على أنه علم يجلب لك النجاح في لحظات بدون كد ولا تعب، فقط ماعليك سوى أن تجعل ما تريده في خيالك وأنت في حالة استرخاء وحاول أن تذهب بخيالك بعيدا بعيدا، وسيكون النجاح أقرب إليك مما تتصور، وتلقف أصحابنا كتاب (السر) بكل بهجة وسوقوا لهذا الكتاب وجعلوه كتاب النجاح الذي لا يأتيه الفشل من بين يديه ولا من خلفه، وذهب بعض المخدوعين يهرعون إلى اقتنائه وشرائه مهما بلغت قميته، بينما لو قرأته وتصفحته لرأيته أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة.
ولكن ثقافتنا السطحية إضافة إلى الانبهار بما يأتي من قبل هؤلاء جعل الجميع يقبلون عليه إقبال الظمآن على الماء البارد.
وآخرون ابتدعوا لنا مايسمونه افتراء (علم الطاقة) ولا يزالون فرحين به ظانين أنفسهم أنهم قد أوتوا مالم يؤت غيرهم من وسائل الشفاء والتحفيز ثم إذا تتبعت هذا الأمر وجدت كل ذلك أوهاما وتخرصات لا أثر لها إلا استغلال السذج من الناس والأدهي والأمر عندما يحاول هؤلاء المخدوعون أن يلبسوا ذلك كل هلباس الدين ويجعلون له صبغة دينية.
لكن الغريب أن يترك هؤلاء يخدعون العمة ويستغلونهم دون رقابة أو محاسبة، ويكذبون كذبا ظاهرا، بل لك أن تقول: إنهم يشابهون المسيح الدجال بكثير من الأمور.
أعاذنا الله وإياكم من فتنة الجميع.
وصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
(ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)