تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاء الشتاء

خالد بن عبدالله المصلح

الخطبة الأولى

أما بعد ...

فاتقوا الله أيها الناس وقوموا بما فرض الله عليكم من الحقوق والواجبات وانتهوا عما نهاكم عنه من المعاصي والسيئات، فإن الله قد أعد لعباده المتقين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

واعلموا أيها المؤمنون، أن ربكم الذي لا إله إلا هو ولا رب سواه له الحكمة البالغة، والقدرة النافذة، يقلب الليل والنهار، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ? وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ? (المزمل: 20.). فمن بديع حكمته الباهرة، وعظيم منة الله تعالى على عباده، ورحمته بهم، أن نوّع لهم الفصول في العام الواحد بين صيف وشتاء، وبين ربيع وخريف، لتتم بذلك مصالحهم، ويستقيم معاشهم، ويستوي أمرهم؛ فالحمد لله الذي لا إله إلا هو على بره وإحسانه، ولطفه ورحمته وحكمته وامتنانه.

عباد الله قد أظلكم فصل الشتاء، وهو فصل كان يكتب فيه عمر لعماله: (إن الشتاء قد حضر فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً) وإن من منة الله تعالى عليكم أن جعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم البرد، فخلق لكم من أصواف بهيمة الأنعام وأوبارها وأشعارها ما فيه دفء لكم ووقاية، قال تعالى: ? وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ? (النحل: 5.) فاشكروا الله تعالى فإن الشكر سبب في المزيد قال تعالى: ? وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ? (إبراهيم: 7.).

عباد الله إن من نعمة الله عليكم بتنويع الفصول أن يحصل بذلك تذكر جهنم، فإن شدة الحر وشدة البرد يذكران الناس بما في جهنم من الحر والزمهرير، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير) (1). قال الله تعالى مخبراً عن أهل جهنم - نعوذ بالله منها -: ? لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزَاءً وِفَاقاً ? (النبأ:24 - 26.) فجهنم يعذب أهلها بالحر والزمهرير، قال ابن عباس: الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق من برده. وقال الحسن: كل برد أهلك شيئاً فهو من نفس جهنم.

فيا من آذاه حر الصيف، ويا من أزعجه برد الشتاء اتق عذاب جهنم، إن عذابها كان غراماً، فإن ما تجده في هذه الدنيا من شدة البرد أو شدة الحر إنما هو شيء يسير من حر جهنم وزمهريرها، فكيف بك يا من أسرفت على نفسك بالذنوب والمعاصي يوم يؤتى بها تقاد بسبعين ألف زمام ثم يقال: ? اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ? (الطور: 16.).

أيها المؤمنون إننا نعيش هذا الفصل ويعيش معنا إخوان لنا قُدِرْت عليهم أرزاقهم، وقصرت بهم النفقة، وهم بأمس الحاجة إلى العون والمساعدة في إقبال الشتاء، فقدموا لأنفسكم وتفقدوا إخوانكم المحتاجين، وابدؤوا بأقاربكم وذوي أرحامكم ثم جيرانكم وأهل بلدكم ثم الأقرب منكم فالأقرب، ولا يحقرن أحدكم من المعرف شيئاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق النار ولو بشق تمرة) (2).

أيها المؤمنون؛ أخرج الإمام أحمد بسند ضعيف من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشتاء ربيع المؤمن يقوم ليله ويصوم نهاره) (3).

قال ابن رجب رحمه الله: إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه. انتهى

فالمؤمن يا عباد الله يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة) (4) رواه الترمذي من حديث عامر بن مسعود، قال الترمذي: هذا حديث مرسل: عامر لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير