تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فاغتنموا هذه الفرصة يا عباد الله فإن للصيام فضائل عظيمة عديدة، ولو لم يكن فيه إلا ما قاله الله تعالى في الحديث الإلهي: (الصيام لي وأنا أجزي به) (5) لكان كافيا ً.

أيها المؤمنون؛ إن من أبواب الخير في هذا الفصل طول الليل الذي يتمكن العبد فيه من القيام، فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة، إلى صلاة الليل التي قال الله فيها:

? وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ? (الإنسان: 26.) وقال فيها: ? وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ? (قّ: 40.) فإن صلاة الليل شعار المتقين، ودثار أولياء الله المفلحين، قال الله تعالى في وصف عباده المتقين ? تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? (السجدة:16 - 17.) قال الطبري في تفسير هذه الآية: (فلا تعلم نفس أي نفس، ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هاتين الآيتين مما تقر به أعينهم في جناته يوم القيامة، ثواباً لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون).

فاتقوا الله عباد الله، فليل الشتاء طويل فلا تقصروه بمنامكم، ولا تضيعوه بسهركم على المعاصي والملذات، واجعلوا ليلكم ليل المتقين الذاكرين، لا ليل الغافلين المستهترين، قال ابن القيم رحمه الله:

(فيا عجباً من سفيهٍ في صورة حليم، ومعتوه في صورة عاقل، آثر الحظ الفاني الرخيص على الحظ الباقي النفيس، باع جنة عرضها الأرض والسماوات بسجنٍ ضيق بين أصحاب البلية والشهوات).

أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعاً ونحن قعود ما الذي أنت صانع

على نفسه فليبك من كان باكياً أيذهب وقتي وهو باللهو ضائع

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأحكم الحاكمين و بعد. .

فاتقوا الله عباد الله وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماء والأرض أعدت للمتقين.

أيها المؤمنون؛ إن من أبواب الخير في فصل الشتاء إسباغ الوضوء وإتمامه، فإن ذلك من أفضل الأعمال، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) (6) فأسبغوا أيها المؤمنون الوضوء، فإن أجره عند الله عظيم، وإسباغ الوضوء يكون بتعميم الماء على جميع أعضاء الطهارة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال في حديث لقيط بن صبرة: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق ما لم تكن صائماً) (7).

أيها المؤمنون إن ربكم الكريم الحليم لم يجعل عليكم في الدين من حرج، بل جعله يسيراً سهلاً، قال تعالى: ? يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر َ? (البقرة: 185.) فمن تيسيره أن أجاز لكم المسح على الخفين بدلاً من غسل الرجلين إذا كانتا مستورتين بخف أو جورب ونحوهما وذلك بشرط أن يكونا قد لبسا على طهارة، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، تبتدىء المدة من أول مسحة بعد الحدث، فإذا لبس الإنسان الجورب مثلاً صلاة الفجر هذا اليوم ولم يمسح عليهما أول مرة إلا لصلاة الجمعة فيكون ابتدأ مدة مسحه من صلاة الجمعة إلى مثل هذا الوقت من الغد، فإذا تمت المدة وجب عليه غسل رجليه إذا توضأ.

اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ودعوة مستجابة يا رب العالمين.


(1) أخرجه البخاري باب صفة النار (رقم 3087) ومسلم كتاب الصلاة (رقم 617).
(2) أخرجه البخاري باب الصدقة قبل الرد (رقم 1347) ومسلم باب الحث على الصدقة (رقم 1016) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(3) (رقم 11734).
(4) (رقم 797).
(5) أخرجه البخاري كتاب التفسير (رقم 7054) ومسلم باب فضل الصيام (رقم 1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير