تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

معلومة لا عن طريق الشرع ولا عن طريق الحس يدخل في ما نهى الله عنه في قوله: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً.

أيها المسلمون: وقد ينزعج بعض الناس من برودة الشتاء كما يتضايق البعض من حر الصيف، وفي كلٍ منهما وفي تقلب الأحوال عموماً مصالح وحكم. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ثم تأمل بعد ذلك أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول وما فيها من المصالح والحكم، إذ لو كان الزمان كله فصلا واحدا لفاتت مصالح الفصول الباقية فيه، فلو كان صيفا كله لفاتت منافع ومصالح الشتاء، ولو كان شتاء لفاتت مصالح الصيف، وكذلك لو كان ربيعا كله أو خريفا كله.

ثم بدأ رحمه الله يذكر بعض فوائد البرد ودخول فصل الشتاء فقال: ففي الشتاء تغور الحرارة في الأجواف وبطون الأرض والجبال، فتتولد مواد الثمار وغيرها، وتبرد الظواهر ويستكثف فيه الهواء، فيحصل السحاب والمطر والثلج والبرَد الذي به حياة الارض وأهلها واشتداد أبدان الحيوان وقوتها، وتزايد القوى الطبيعية واستخلاف ما حللته حرارة الصيف من الأبدان، وفي الربيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد المتولدة في الشتاء، فيظهر النبات ويتنور الشجر بالزهر، ويتحرك الحيوان للتناسل، وفي الصيف يحتد الهواء ويسخن جدا فتنضج الثمار وتنحل فضلات الأبدان والاخلاط التي انعقدت في الشتاء، وتغور البرودة وتهرب إلى الأجواف، ولهذا تبرد العيون والآبار ولا تهضم المعدة الطعام التي كانت تهضمه في الشتاء من الأطعمة الغليظة لأنها كانت تهضمها بالحرارة التي سكنت في البطون، فلما جاء الصيف خرجت الحرارة إلى ظاهر الجسد وغارت البرودة فيه، فإذا جاء الخريف اعتدل الزمان وصفا الهواء وبرد فانكسر ذلك السموم، وجعله الله بحكمته برزخا بين سموم الصيف وبرد الشتاء. انتهى كلامه رحمه الله.

ولشيخ ابن القيم، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام نفيس كان يتحدث فيه رحمه الله على هروب الشيء من ضده، وأن كثيراً من الأشياء يمكن أن تقاوم بأضدادها، وهذه قاعدة مهمة يحتاجها الجميع عامة والمصلحون خاصة، فمَثّل لقاعدته بكلام يناسب موضوعنا فقال رحمه الله: ويسخن جوف الإنسان في الشتاء، ويبرد في الصيف، لأنه في الشتاء يكون الهواء باردا فيبرد ظاهر البدن فتهرب الحرارة الى باطن البدن، لان الضد يهرب من الضد، والشبيه ينجذب إلى شبيهه، فتظهر البرودة إلى الظاهر، ولهذا يسخن جوف الأرض في الشتاء وجوف الحيوان كله، وتبرد الأجواف في الصيف لسخونة الظواهر فتهرب البرودة الى الاجواف. انتهى كلامه رحمه الله. فإذا عرفت بأن الضد يهرب من الضد، والشبيه ينجذب إلى شبيهه، أدركت وعرفت بأنه لاطريق للتخلص من رقّ المعصية إلاّ بضدها وهي الطاعة، وأنه إذا ارتاحت نفسك بالجلوس مع العصاة، فهذا من انجذاب الشبيه إلى شبيهه، والله المستعان.

أيها المسلمون: لقد جاءت السنة بالإبراد بصلاة الظهر في حر الصيف تخفيفاً على الناس فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)). رواه البخاري. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اشتد البرد بكّر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال صلى الله عليه وسلم: ((أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد، حتى رأينا فيئ التلول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شده الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)) متفق عليه. وهذا الحكم خاص بصلاة الظهر وأما صلاة الجمعة وإن كانت في وقت الظهر فإنها تصلى في وقتها حتى في الحر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما الجمعة فالسنة أن تصلى في أول وقتها في جميع الأزمنة، لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصليها في أول الوقت شتاء وصيفا، ولم يؤخرها هو و لا أحد من أصحابه، بل ربما كانوا يصلونها قبل الزوال، وذاك لأن الناس يجتمعون لها، إذ السنة التبكير إليها، ففي تأخيرها إضرار بهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير