أخي المسلم، الله جلّ وعلا أمرك بطلبِ الرّزق، وأمرك بالأخذ بالأسبابِ التي تحصِّل لك المقصود: (فَ?مْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ?لنُّشُورُ) [الملك:15]، ويقول جلّ وعلا: (وَءاخَرُونَ يَضْرِبُونَ في ?لأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ?للَّهِ وَءاخَرُونَ يُقَـ?تِلُونَ في سَبِيلِ ?للَّهِ) [المزمل:20]، فقرن بينَ الأمرين، بين الضاربين ابتغاءَ فضلِ الله، وبين الساعين في الجهادِ في سبيل الله. فطلبُ الرزق وابتغاؤه والأخذ بالأسباب أمرٌ مطلوب شرعًا، ولكنّ المسلم أسبابُ طلب الرزق عنده بالطّرق التي أباحها الشرع له، أمّا الأسباب المحرّمة فإنّه يبتعِد كلَّ البعد عنها. المسلم يطلب الرزقَ لكن بالطّرق المأذونة شرعًا، ويبتعِد عن الطرق المحرّمة شرعًا.
أخي المسلم، مِن المكاسِب المحرّمة مكاسبُ الربا، فالمؤمن يتّقي الربا بكلّ أحواله، ولا يغرّنَّه أن يكونَ الربا فيه المكاسب العظيمة، فهو يتّقي الله قبلَ كلّ شيء، ويتذكّر قول الله: (ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ?لرّبَو?اْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ?للَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278، 279].
أيّها المسلم، المسلم يتّقي المكاسبَ الخبيثةَ كأكل أموالِ النّاس بالباطل من غشّ وتدليسٍ وخداع وأخذِ مالٍ بغير حقّ من سرقة جحودِ حقوق واجبة عليه مماطلةٍ بالحقّ الواجب عليه أداؤه، ولذا يقول الله: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْو?لَكُمْ بَيْنَكُم بِ?لْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ?لْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مّنْ أَمْوَالِ ?لنَّاسِ بِ?لإثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188]، (ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْو?لَكُمْ بَيْنَكُمْ بِ?لْبَـ?طِلِ) [النساء:29].
ومِن أكل الباطل أخذُ الرشوة، وقد لعن رسول الله الراشي والمرتشي [5]، باذلها وآخذها.
ومن أكلِ الحرام والمكاسبِ الخبيثة الاتّجار بالمحرّمات التي حرّمها الشارع، من خمور ومخدّراتٍ وغير ذلك من كلّ ما حرّم الشارع التعاملَ به، فالمسلم يتّقي التجارةَ المحرمة، ويبتعِد كلّ البعد عنها لتكون مكاسبه طيبة، "إنّ الله طيب لا يقبَل إلا طيبًا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (ي?أَيُّهَا ?لرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ?لطَّيّبَـ?تِ) [المؤمنون:51]، وقال: (ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـ?كُمْ) [البقرة:172]، ثم ذكر رسول الله الرجلَ يطيل السّفرَ أشعث أغبرَ رافعا يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسُه حرام، ومشربه حرام، وغُذِي بالحرام: "فأنى يستجاب لذلك؟! " [6].
فاتّق الله في مكاسبك، وابتعِد عن كلّ مكسب خبيث، واسلُك الطرقَ التي أذِن الله لك فيها، واطلبِ الرزقَ من الأبواب التي شرع الله لك.
ولهذا المكاسبُ الطيّبة تتمثّل في أمور، فمنها: عملُ الرجل بيدِه، ولذا قال: "أفضلُ الكسبِ عمل الرّجل بيده، وكلّ بيع مبرور" [7]، (وَأَحَلَّ ?للَّهُ ?لْبَيْعَ وَحَرَّمَ ?لرّبَو?اْ) [البقرة:275]. فعمل الإنسانِ وما يحصُل له من خيرات من عمله بيده هو أفضل المكاسب وأعلاها، ثم البيعُ المبرور الذي صدَق فيه البائع فلم يكذِب ولم يكتُم.
أيّها المسلم، عملُك بيدك خيرٌ لك من سؤال الناس أعطَوك أم منعوك.
ومن المكاسب الخبيثة أيضًا السؤال من غير حاجة، فلا تزال المسألة بالعبدِ حتى يلقى اللهَ وليسَ في وجهِه مزعةُ لحم [8].
فيا أخي المسلم، اسلك الطرقَ المشروعة والطرقَ النافعة، وابتعِد عن المكاسب الخبيثة، واطلب الرزقَ من أبوابه، وكن قانعًا بما قسم الله لك راضيًا بذلك، واحذَر أن تكونَ كلاًّ وعالة على غيرك، وقد يسّر الله لك الأمر، وهيَّأ لك من قوّة البدَن والفِكر ما تطلُب به الرزق، فإنّ طلبَ الرزق عزّة وكرامة، وسلوك الطريق المشروع عون لك على كلّ خير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
¥