وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ - مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ - عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فِي حَال الزِّيَادَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي فِي حَال النُّقْصَانِ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بَيْنَ مَا يُبَاعُ ذَرْعًا كَالثَّوْبِ وَالأَْرْضِ، وَبَيْنَ مَا يُبَاعُ كَيْلاً كَصُبْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَهُمَا، بَل أَثْبَتُوا الْخِيَارَ لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ مُطْلَقًا.
فَفِي صُورَةِ مَا إِذَا ابْتَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَل. ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخْذَ الْمَوْجُودِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ الْمِثْلِيِّ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا، وَلَمْ يَتِمَّ رِضَا الْمُشْتَرِي بِهِ لأَِنَّهُ أَقَل مِمَّا تَمَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ أَخْذِ الْمَوْجُودِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَكَانَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ لأَِنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا.
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لأَِنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَاقِي مِنَ الْكَيْل.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِكُل الثَّمَنِ الْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْفَسْخِ.
وَإِذَا وَجَدَ الصُّبْرَةَ أَكْثَرَ مِمَّا تَمَّ عَلَيْهِ الاِتِّفَاقُ: رَدَّ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ لأَِنَّهُ تَضَرَّرَ بِالزِّيَادَةِ، وَلأَِنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لاَ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَلاَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِيمَا إِذَا قَال الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: لاَ تَفْسَخْ، وَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ، أَوْ أَنَا أُعْطِيكَ ثَمَنَ الزَّائِدِ.
وَإِذَا كَانَ مَا يُبَاعُ جُزَافًا مَذْرُوعًا كَالثَّوْبِ وَالأَْرْضِ، وَظَهَرَ أَنَّهُ أَقَل مِمَّا اتُّفِقَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْبَيْعَ، وَلاَ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إِذَا حَطَّ الْبَائِعُ مِنَ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أَوْ أَنْ يَتْرُكَ الْبَيْعَ.
وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَبِيعَ أَكْثَرُ مِمَّا اتُّفِقَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ نَفْسِهِ، لأَِنَّ الذَّرْعَ كَالْوَصْفِ، وَالأَْوْصَافُ لاَ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَلاَ خِيَارَ لِلْبَائِعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ تَفْصِيلٌ فِي مَذْهَبِهِمْ:
فَذَهَبُوا إِلَى تَخْيِيرِ الْبَائِعِ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ زَائِدًا، وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ. فَإِنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ فَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، لأَِنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا. وَإِنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ زَائِدًا، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ أَوِ الأَْخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَقِسْطِ الزَّائِدِ.
فَإِنْ رَضِيَ بِالأَْخْذِ أَخَذَ الْعَشَرَةَ، وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ لَهُ فِي الذِّرَاعِ.
وَفِي تَخْيِيرِ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ وَجْهَانِ.
الأَْوَّل: لَهُ الْفَسْخُ؛ لأَِنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي الْمُشَارَكَةِ.
¥