[التنبيه على ما في (مشروع سقيا زمزم) من المخالفات الشرعية]
ـ[محمد الغصن]ــــــــ[26 - 11 - 10, 08:42 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[التنبيه على ما في (مشروع سقيا زمزم) من المخالفات الشرعية]
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما, ثم أما بعد:
فإنه قد أُحْدِث ـ قبل أيام ـ في بَلَدِ اللهِ الحرام حَدَثٌ لا ينبغي أن يمرَّ دون تنبيه لما فيه من المخالفة الكبيرة للشريعة وتغيير أمرٍ شرعي, ولما فيه كذلك من الإساءة العظيمة لتاريخ الدولة السعودية ـ أعزها الله بطاعته ـ بأمرٍ لم يتجرَّأ عليه أحدٌ قَطُّ في جاهليةٍ ولا إسلام.
ومجمل هذا الأمر أنه أُعْلِنَ في العشر الأواخر من رمضان عن "مشروع خادم الحرمين لسقيا زمزم", ثم افتتحه خادم الحرمين الملك عبد الله وفقه الله افتتاحاً مقتضباً.
ولم يكن قد تقدَّم لهذا المشروع ذكرٌ يُبَيِّنُ للناس معناه, ولكن كان اسم "السقيا", وكونها لماء زمزم لا ينصرف في الأذهان إلا إلى السقيا المبذولة التي يتقرَّب بها الساقي إلى الله كما هو دأب هذه الدولة في عمارة المسجد الحرام وخدمة حاجِّ بيت الله الحرام.
ثم بعد أقلَّ من الشهر من الإعلان عن المشروع ابتدأ إنتاج المشروع فكان صدمةً كبيرةً أنْ تبيَّنَ أنَّ حقيقته إنما هي وَضْعُ اليد على بئر زمزم, وإبطالُ وَقْفِيَّتها الثابتةِ بالشريعة, وتحويلها إلى مشروعٍ تجاري تُكَدَّسُ فيها الأرباح لجهةٍ غير معلنة.
فقد نشرت الصحف السعودية يومَ الأحد 24 شوال 1431هـ خبرَ تدشين وزير المياه د. عبد الله الحصين نقاطَ بيع ماء زمزم في مكة التابعة للمشروع المذكور.
وجاء في الصحف أنَّ الطاقة الإنتاجية للمشروع هي (200 ألف عبوة يومياً) , وأنَّ سعر العبوة (وهي10 لترات) هو (5) ريالات, وهو سعر مرتفع جداً إذا عُلم أنَّ ضخ الماء وتنقيته لها ميزانيتها وإداراتها وعقودها المستقلة عن هذا المشروع من قبله بمدة طويلة كما هو معلوم, وأنَّ المشروعَ مدفوعُ القيمة سلفاً من خادم الحرمين الشريفين وفقه الله.
فالعائد الربحي من المشروع هو ـ حسب الإعلان ـ مليون ريال كلَّ يوم. وبالغ وزير المياه في الاستخفاف بالعقول إذ قال: (وما يتم تحصيله من البيع سيعود للمصنع) (جريدة الوطن يوم الأحد 24/ 10/1431هـ).
وإمعاناً في احتكار هذه التجارة فقد صرح وزير المياه بثلاثة أمور:
1 - أنَّ ما يُضَخُّ من بئر زمزم ثلاثةُ أقسام؛ قسمٌ للمسجد الحرام, وقسمٌ للمسجد النبوي, وقسمٌ للبيع في هذا المشروع, وأنه لن يُسمح لأيِّ مسلمٍ أن يستقي من ماء زمزم إلا بالشراء.
2 - أنه لن يسمح للمسلم أنْ يشتري أكثر من عبوتين.
3 - أنَّ المشروع آخذٌ في إعداد مستودعاتٍ لتخزين الماء الذي ينتجه المشروع, وذلك يؤذن بالتمهيد لتوسيع نطاق هذه التجارة فيما يتجمَّع من الماء الذي يأخذه المشروع في غير أيام المواسم من السنة التي لا يستوعب الطلب فيها إنتاج المشروع, وإذا حصل تصديرها إلى خارج مكة أو خارج البلاد فستتضاعف العوائد المالية.
بيان المخالفة الكبيرة للشريعة في هذا المشروع:
جاء في الحديث الذي أخرج البخاريُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما لما نزل إبراهيم عليه السلام مكة: (وأقبل جرهم فقالوا: أتأذنين أنْ ننزل عندك؟ قالت: نعم ولا حقَّ لكم في الماء, قالوا: نعم).
قال الخطابي رحمه الله: (فيه أنَّ من أنبط ماءً في فلاة من الأرض ملكه ولا يشاركه فيه غيره إلا برضاه, إلا أنه لا يمنع فضله إذا استغنى عنه, وإنما شرطت هاجر عليهم أن لا يتملكوه).
فهذا كان قبل أنْ يجعلَ الله الشُّرب من ماء زمزم من الشريعة ومن الشعائر, وفيه أنها هي المستحقَّة للقيام على الماء لا يحقُّ لهم أنْ يتملكوه أو ينتزعوا منها القيام عليه.
ثم لما جاء الله بالشريعة وبَوَّأَ الله تعالى لإبراهيم مكانَ البيت وأذَّنَ في الناس بالحجِّ؛ ازداد هذا الأمر رسوخاً وثباتاً, وهو أنَّ لأولاد هاجر رضي الله عنها وهم إسماعيل عليه السلام وذريته خصوصيةً بالقيام على هذا الماء تبعاً لقيامهم بأمر البيت العتيق, فلم يكن لأحدٍ من بني إسماعيل أن يضع يده على أصل الماء فيتملَّكه, ولا أن يمنع الناس فضله.
¥