2.زعمه أن القتال والحروب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت حين لم تكن هناك اتفاقيات دولية، حيث قال: "الجهاد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من المعلوم أنه لم يكن هناك أي اتفاقيات قائمة بين الدول، كانت القصة قائمة على أن القوي يغلب الضعيف ويستولي عليه". ومعنى هذا أنه لا مجال للحروب في هذا العصر مع الاتفاقيات والعهود الدولية، وعبَّر عن ذلك بقوله: "لكن إذا وجد وضع، يعني فيه استقرار، وفيه أمن، وفيه عهود، وفيه مواثيق صحيحة ويحترمها الناس، الإسلام سيكون مؤيدا ومباركا لهذا"، وحقيقة هذا الكلام أن الاتفاقيات الدولية التي وضعها الكفار ضمن قانون هيئة الأمم، وهو يحرم العدوان، زعموا، والجهاد في معيارهم من العدوان، وهذا القائل يزعم أن الإسلام يرحب بما تقضي به هذه الاتفاقيات والمعاهدات، وهذا من الافتراء على الإسلام، فإن هذا الزعم يقتضي تعطيل الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، نزولا على حكم قانون هيئة الأمم، أوَ ليس هذا هو معنى النسخ؟ فإن الإسلام يفرض الجهاد، والاتفاقيات الدولية تحرم الجهاد على المسلمين! سبحانك هذا بهتان عظيم.
3.ومثل هذا قوله في الاسترقاق، وهو من فروع الجهاد في سبيل الله، وهو من حق المجاهدين كالغنائم، وللرقيق أحكام في أكثر أبواب الفقه الإسلامي، وحكم الاسترقاق من الأحكام القطعية، فمن يحرمه فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع، وقانون هيئة الأمم يحرمه، وهذا الداعية يزعم في اعتقاده أن الإسلام يرحب -أي يوافق- على ما يقضي به قانون هيئة الأمم من تحريم الاسترقاق، وهذا اعتقاد خاطئ على الإسلام كسابقه، قال: "إذا وجد حالة مثل ما حصل الآن حالة تحرير الأرقاء وإلغاء هذا المعنى (الاسترقاق) فأنا اعتقد أن الإسلام يرحب بهذا المبدأ ويستجيب له، لأنه يتناسب الروح والقيمة الإيمانية".
فليتق الله من يقول هذا القول، وليراجع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما مضى عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الأقوال الباطلة التي يفرح بها أعداء الإسلام، ويكبرون قائلها.
وليعلم كل أحد مسلما كان أو كافرا أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله جور جائر، ولا تنسخه الاتفاقيات الدولية، قال تعالى: [إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد].
ويشبه كلام الدكتور سلمان العودة هداه الله ما فاه به بعض المبهورين المنهزمين نفسيا وفكريا في جريدة الجزيرة في عددها 13900 الصادر في 11/ 11/1431هـ، وهو أن الجهاد الذي شرعه الله للمسلين، وجعله ذروة سنام الإسلام محرم على المسلمين دوليا، ومعنى ذلك أن المواثيق والاتفاقيات الدولية تنسخ أحكام الشريعة الخالدة، ويزعم هذا المهزوم أنه ينبغي للتربويين أن يرسخوا هذا المعنى في نفوس الطلاب إذا كان لا بد من تدريسهم عن الجهاد في الإسلام، وعبارته تشعر بأنه لا داعي لتدريسهم ذلك أصلا، وإليك نص ما قال: "والسؤال الذي بودي أن يجيب عليه التربويون: لماذا لا نشرح لطلابنا في المرحلة المتوسطة والثانوية إذا كان لا بد من أن نحدثهم عن الجهاد أن واقع السلاح، والقوة والضعف، والمواثيق والاتفاقيات الدولية، جعل الأمر يختلف عن ذي قبل؛ فالغزو - مثلاً - أصبح (محرماً) دولياً حسب اتفاقيات الأمم المتحدة"انتهى.
ومن المقررات في الإسلام أن الجهاد باق إلى يوم القيامة، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.
وهذا الجاهل هداه الله غفل أو تغافل عن أن الذين حرموا الغزو هم أول من نقض المواثيق والاتفاقيات لكن من منطلق لغة القوة.
وبهذه المناسبة ينبغي أن يعلم أن العهود في الإسلام مع الكفار من حيث التوقيت ثلاثة أنواع:
1.عهد مؤقت بمدة، فيجب على المسلمين الوفاء به بإتمامه إلى مدته، قال تعالى: [إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين]، ومن نوع العهد المؤقت ما يعطى للمستأمِن، كالذي قال الله فيه: [وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمه كلام الله ثم أبلغه مأمنه]. ويدخل في ذلك الرسل من الكفار، ومن يؤذن له من التجار
2.عهد مطلق لم يقيد بمدة، فهو غير مؤقت ولا مؤبد، فهذا لا يجوز للمسلمين نقضه إلا بعد نبذ العهد إليهم، قال تعالى: [وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين]، وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى ينقضي أمدها, أو ينبذ إليهم على سواء» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح.
3. عهد مؤبد لا يجوز للمسلمين نقضه، وهو ما يعطى للكفار في مقابل بذلهم الجزية، قال تعالى: [قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأمير الجيش أو السرية: (إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال؛ ادعهم إلى الإسلام، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن أبوا فاسألهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم)، وأصحاب هذا العهد هم الذين يقال لهم عند المسلمين: أهل الذمة، والواحد ذمي، فهذا العهد لا ينتقض إلا إذا أخلَّ الكفار بشروطه.
وبهذا يعلم أن العهود بين الدول الإسلامية والكفار في هذا العصر قد وضع شروطها واضع قانون هيئة الأمم، وهي عندهم مؤبدة، فلا تكون جارية على العهود التي جاء بها الإسلام. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه
عبد الرحمن بن ناصر البراك
الأستاذ (سابقا) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
في 21 ذي الحجة 1431هـ
¥