وفي "الصَّحيحَين" أيضًا عن عائشة - واللفظ للبُخاري -: "كان - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يصلِّي إحْدَى عشرة ركعةً، كانت تلك صلاته – يعني: بالليل - فيسجد السَّجدة من ذلك قدْر ما يقرأ أحدُكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجِع على شقِّه الأيمن حتَّى يأتيه المؤذن للصَّلاة"، وزاد مسلم وغيرُهُما: "يسلم بين كلِّ ركعتين".
وفيهما عنِ ابْنِ عبَّاس - رضِي الله عنْهُما - لمَّا بات عند خالتِه ميمونة، ثُمَّ ذكر صِفَة قيام النَّبيِّ قال: " ... ثمَّ صلَّى ركعتين ثمَّ ركعتين، ثمَّ ركعتينِ ثمَّ ركعتينِ، ثمَّ ركعتينِ ثمَّ ركعتينِ، ثمَّ أوْتر، ثمَّ اضطجع حتَّى جاءه المؤذِّن، فقام فصلَّى ركعتين، ثم خرج فصلَّى الصبح".
أمَّا عدد ركعات القيام، فالأفضل أن تكون إحْدى عشْرَةَ ركعةً، أو ثلاثَ عشرة، وهو قيام النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالليل، فإنَّه ثبت عنْه هذا وهذا؛ كما في حديثي عائشةَ وابْنِ عبَّاس السابقين، ويفتتِح القيام بركعتين خفيفتين، كما روت عائشةُ - رضِي الله عنْها - قالت: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا قام من اللَّيل، افتتح صلاتَه بركعتيْنِ خفيفتَين"، وأمر بذلك في حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه - قال: ((إذا قام أحدُكُم من اللَّيل، فليفتتِحْ صلاتَه بركعتينِ خفيفتين))؛ رواهما مسلم.
أمَّا صفة الوتْر وأنواعِه، فيوتر بركعةٍ، وثلاثٍ، وخمسٍ، وسبعٍ، وتسعٍ، وغير ذلك؛ فعن أبي أيوب مرفوعًا: ((الوتر حق، فمَن شاء أوْتَر بخمسٍ، ومن شاء بثلاثٍ، ومن شاء بواحدة))؛ رواه أبو داود والنَّسائي.
أمَّا الوتر بركعة، فقد سبق في حديثِ ابن عمر، وعن ابن عبَّاس مرفوعًا: ((الوتر ركعةٌ من آخر الليل))؛ رواه مسلم، وفي "الصَّحيحين" عن عائشة - رضِي الله عنْها -: "كان النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يصلِّي باللَّيل إحْدى عشرةَ ركعةً، يوتر منها بواحدةٍ".
أمَّا الوتر بثلاثٍ، فله صَلاتُها متَّصلات بتشهُّد واحد؛ فقد روى الحاكم عن عائشةَ: "أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يوتر بثلاثٍ لا يَقعُد إلا في آخِرِهنَّ"، وروى النَّسائي من حديث أُبَي بن كعب مرفوعًا: ((يوتر بسبِّح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ولا يسلِّم إلاَّ في آخِرهن))، وهو الثَّابت من فعل السَّلف، كما رواه محمَّد بن نصر؛ كما في "الفتح" عن ابنِ عمر والمسْوَر بن مخرمة: "أنَّ عمر أوْتَر بثلاثٍ لَم يسلِّم إلاَّ في آخِرِهنَّ".
كما أنَّ له أن يصلِّيَهما ركعتين - الشَّفع - وركعة - الوتر - ولكن ينوي وترًا من أوَّل الصَّلاة؛ لحديث ابن عمر - رضِي الله عنْه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يفصل بين الشَّفع والوتر بتسليمةٍ يُسْمِعناها"، ورواه الطَّحاوي عنْه: أنَّه كان يَفصل بين شفعِه ووترِه بتسليمة، وأخبر أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يفعله.
أمَّا الوتر بخَمْس أو سبعٍ بتشهُّد واحد، فعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يصلِّي من اللَّيل ثلاثَ عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، ولا يجلسُ في شيء منهنَّ إلاَّ في آخرهنَّ"؛ متَّفق عليه.
وعن أم سلمة - رضِي الله عنْها - قالت: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوتِر بسبعٍ وبخمسٍ لا يفصِلُ بينهنَّ بسلامٍ ولا بكلام"؛ رواه أحمدُ والنَّسائيُّ وابن ماجه.
أمَّا الوتر بتِسْعِ ركعات، لا يجلس في شيءٍ منهنَّ إلاَّ في الثَّامنة، يتشهَّد ثُمَّ يصلِّي التَّاسعة، ويتشهَّد ويسلِّم، فعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كنَّا نعدُّ لرسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - سواكه وطهورَه، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوَّك ويتوضَّأ، ويصلِّي تسع ركَعَات لا يجلسُ فيها إلاَّ في الثَّامنة، فيذْكُر الله ويحمَده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلِّي التَّاسعة ثم يقعد، فيذكر الله يحمَدُه ويدعوه، ثم يسلِّم تسليمًا يُسْمِعنا، ثم يصلِّي ركعتين بعدما يسلِّم" الحديثَ؛ رواه مسلم.
هذا، وليُعلم أنَّه ليْست هناك سنَّة مستقلَّة تسمَّى صلاة الشَّفع كما يعتقِدُه كثيرٌ من النَّاس، وإنَّما مَن أوتِر بثلاثِ ركَعَات منفصِلات - ركعتين وركعة - سُمِّيت الرَّكعتان شفعًا، والوتر ركعة واحدة، ولكن ينوي الوتْر قُبيل تكبيرة الإحرام للثلاث،، والله أعلم.