قال المخالف: إن العراق أليق بهذا الوصف ففيها كان الروافض والخوارج وكثير من أهل الفتن والضلال.
نعم سلمنا أن خرج فيها من الروافض والخوارج ما هو معلوم.
وأنه صار فيها من الفتن والمصائب ما هو مَسْطُور في كُتُبِ التَاريخِ والفِرَق.
ولكن العراق ما فيها من المساوئ -عَلِمَ الله- لا يساوي شيء مما فيها من المناقب والمزايا ثم أين هي البلاد التي سَلِمَت من بعض الفتن والشرور؟.
والعراق لئن ظهر فيها الروافض والخوارج فلقد آوت من الصحابة الأخيار الأطهار ما يغسل ما هو أكثر من ذلك ودونك سادتنا علي وابن عباس والنعمان بن بشير وابن مسعود وأنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص وعمار وعتبة بن غزوان -رضي الله عنهم- وغيرهم كثير من فضلاء الصحابة.
وفيها من التابعين من ذكرهم يشفي السقيم ويذهب بالشجى الذي في الحلوق أليس فيهم الحسن وابن سيرين وعبيدة السلماني وشريح القاضي وإبراهيم النخعي والشعبي وأبو حنيفة النعمان -رضي الله عنهم-.
ألم تحمل العراق من الأعلام أمثال أحمد بن حنبل فبها تعلم وبها توفي، وأين ابن معين وإسحاق بن راهوية ومحمد بن الحسن وأبو يوسف وسفيان بن عيينة وابن مهدي من تلاميذ مالك والقعنبي والكرابيسي تلميذ الشافعي وابن جرير الطبري وأبو الحسن الأشعري والقاضي الباقلاني وإسماعيل القاضي والخطيب البغدادي منشئ علوم السنة رضي الله عنهم.
بل انظر إلى مُدونَاتِ الفقه الكُبرى الجليلة من صنفها سوى العراقيون، وانظر إلى مدونات السنة جلها لعراقيين أو لمن استوطن العراق.
وأذْكُر الصالحين فبذكرهم تتنزل الرحمات، فهذا معروف الكرخي، وهذا أبو عبد الرحمن السلمي، والإمام الحارث المحاسبي، وهذا سيدي عبد القادر الجيلاني وهذا سيدي أحمد الرفاعي، ومولانا الجنيد البغدادي نفعنا الله ببركاتهم وغيرهم أي أرض أرضهم سوى العراق.
وليذكر لي المخالف عُشر هؤلاء في نجده بل دون العُشر عسر عليه ولئن كان الخوارج في العراق لكن العراق نفتهم، ولم يستطيعوا بها بقائاً. لكن خوارج نجد اليمامة كونوا بها دولة توالوا عليها من عهد معاوية -رضي الله عنه- إلى عهد عبد الملك بن مروان كان عليها نجدة بن عامر الحروري، وخلف عليها بعد أن قتله أبوفديك الحروري، ثم خرج فيها ثائراً مهيار بن سلمى من عهد الوليد بن يزيد إلى عهد مروان الحمار فهذا طول عهد بني أمية.
ثم بعد ذلك صار الأمر في نجد إلى الأخيضريين في عهد العباسيين وهم شيعة، فخلفهم في القرن الثالث والرابع الهجري القرامطة على نجد وبقيت عندهم مدة مديدة فما الذي بقي من عهد بني العباس؟.
ثم هي بعد ذلك سبات لا يعرف فيها إلى عصر قريب إلا الجهل والظلم والفتن وسوء الخلق، وهي كما وصفوا في القرون قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- قتل وسلب وجهل وبدع.
مع التنبيه أنها قبل ذلك أول من أرتد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما هو معلوم من أمر مُسيلمة وسجاح، بل مسيلمة ادعى النبوة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما الذي بقي؟ رِدَّةٌ في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعهد الخلفاء الراشدين، ثم خوارج في عهد بني أمية، ثم روافض في عهد بني العباس، ثم جهل وبدع إلى قبل قرون قريبة فيالله على ماذا يدافع المخالف.
وأُحِبُّ أن أختم بكلام للإمام حافظ المغرب وفخر الأندلس ابن عبد البر المالكي -رحمه الله تعالى- قال: (ولم تختط الكوفة ولا البصرة إلا برأي عمر -رضي الله عنه- ونزلها جماعة من كبار الصحابة، وكان بها العلماء والعباد والفضلاء، وأهل الأدب، والفقهاء، وأهل العلم، وهذا أشهر أغرب من أن يحتاج إلى استشهاد لأنه علم ظاهر).
وأظن الآن أن من قلة الأدب والجرأة بالباطل أن يطاول مادح نجد أرض العراق، والكلام عن مزايا العراق كثيرة، وحسبك بابن الجوزي –رحمه الله تعالى- فقد ألف في مناقب عاصمتها كتاباً، والله غالب على أمره.
¥