[مقال للشيخ البرك: الدعوة بالجد لا الهزل]
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[03 - 12 - 10, 02:42 م]ـ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، ففي هذه الآية أن الدعوة إلى الله هي سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيل اتباعه، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليه، فقال تعالى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}، {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه يدعو عباده إلى جنته ومغفرته، قال تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ}، وقال: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
ودعوته سبحانه هي دعوته على ألسنة رسله بما أنزله في كتبه من شرائع دينه، وحقيقة الدعوة إلى الله، هي: الدعوة إلى الإيمان به، وبرسله، وباليوم الآخر، وإلى عبادته وحده لا شريك له. وعبادته تقوم على تقواه وعلى طاعة رسله، قال تعالى عن نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ}، وهذه هي دعوة الرسل كلهم، كل رسول يقول لقومه: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.
كما تقوم دعوة الرسل على البِّشارة والنِّذارة، بشارة المؤمنين بما أعده الله لهم من المغفرة والنعيم المقيم، ونذارة المكذبين بما توعد الله به أهل معصيته من أنواع العقوبات، قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}، وقال الله في خاتمهم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}.
فمدار الدعوة إلى الله على الأمر بما أمر الله به ورسوله، والنهي عما نهى الله عنه ورسوله مع الترغيب في ثوابه وما أعد لأهل طاعته، والترهيب من عذابه وما توعد به أهل معصيته، وقد سمى الله الدعوة إليه تذكيرًا، فقال سبحانه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}، وأثنى سبحانه على الذاكرين الله والمتذكرين، فقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} الآيةَ، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}، وقال تعالى في الكافرين: {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ}، وقال تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}.
وللدعوة إلى الله والتذكير به وسائل جماعها في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وأصلُ الحكمة وضعُ الأشياء في مواضعها.
والدعوة بالحكمة، هي: الدعوة بالعلمِ.
والموعظةُ الحسنة إنما تكون بتبليغ أوامر الله ونواهيه، وتذكير العباد بما وعد الله به من أطاعه وتوعد به من عصاه: ترغيبًا وترهيبًا.
والجدال بالتي هي أحسن إنما يكون مع أصحاب الشُّبه والمعارضات للحق، فيُجادَلون بالحجج العقلية، والبينات الشرعية.
وبهذا يعلم أن الدعوة إلى الله إنما تكون بتلاوة القرآن وتفسيره، وبتلاوة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان ما فيها من حِكَم وأحكام، ومن بيان الحلال والحرام، والآداب والفضائل، التي يجمعها هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
¥