[فرار أساتذة الجامعات للدكتور رياض بن محمد المسيميري]
ـ[ابومعاذ غ]ــــــــ[04 - 12 - 10, 09:38 م]ـ
فرار أساتذة الجامعات
رياض بن محمد المسيميري
لقد عدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - التولي يوم الزحف أحد الموبقات السبع وما ذلك إلا لما لمغادرة أرض المعركة وميدان القتال- دون القضاء على العدو وهزيمته- من الأثر السلبي الخطير على معنويات الجيش المسلم والإيذان بخسارته نتيجة المعركة!
إذ عند المواجهة لابد من المصابرة حتى آخر رمق فإما النصر وإما الشهادة، وفي هذا يقول تبارك وتعالى: [يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار]
وبحمد الله فقد امتثل أسلافنا هذا الأمر الرباني الكريم فناجزوا أعداءهم في كل مواجهة دامية أو معركة فاصلة دون أن يُسجل عليهم حالة فرار واحدة ختمت بها الواقعة وفرح بها العدو اللهم ما كان من جيش مؤتة بقيادة خالد بن الوليد –رضي الله عنه – وهو فرار سائغ شرعاً لعدم التكافؤ العددي بين الجيشين ومع ذلك سمّاهم رسولنا -صلى الله عليه وسلم- الكرّارون!
وفي عصرنا تنوعت أساليب المواجهة مع الأعداء من كفار ومنافقين فغدت الحرب الفكرية والمواجهة الكلامية بين الإسلاميين من جهة والعلمانيين واللبراليين من جهة أخرى على صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت هي الأبرز ظهوراً والأكثر ضجيجاً!
وقد جنّد العدو كل شياطينه ووظّف كل طاقاته وسخّر كل إمكانياته للدفاع عن أهدافه ومحاولة تحقيق طموحاته وفرض آماله فكانت صحيفة الرياض والجزيرة وعكاظ والوطن أوراقا صفراء آخذة على نفسها العهد والميثاق بتسويق الفساد ووأد الفضيلة عبر رؤساء تحريرها العواجيز, ومرتزقتهم اللئام أو من خلال فحيح الأفاعي المأجورة الموتورة من كتّاب عكاظ والوطن!!!
ورغم الكتابة المضادة عبر الشبكة العنكبوتية بقيادة شيوخ الصحوة الجدد إلا أن المئات من أساتذة الجامعات والأكاديميين لازالوا خارج نطاق المعركة، بل جُلّ أولئك لا يزالون يغردون خارج السرب وكأن الأمر لا يعنيهم أو يمس مصالح دينهم وآخرتهم.
ومن المؤسف حقا أن تظل اهتمامات الأساتذة محصورة في بحوث الترقية وأوراق عمل المؤتمرات الدولية -مع أهميتها إذا صلحت النوايا- دون أن تكون هناك إسهامات فاعلة في مواجهة تيار التغريب الذي يقوده عواجيز الصحافة وحملة الأقلام المسمومة.
في جامعة الإمام قرابة الألف أستاذ جامعي يحمل شهادة الدكتوراه ومثلهم في جامعة أم القرى والإسلامية والملك سعود وغيرها، ومع ذلك فإن من أخذ على عاتقه من هؤلاء الدفاع عن ثوابت الأمة ومقارعة زنادقة العصر من ليبراليين وعلمانيين ورافضة ومتصوفة لا يكادون يبلغون عشر معشار الأساتذة الفضلاء!
وقد يعتذر بعض هؤلاء بأنهم من خلال محاضراتهم الجامعية وإشرافهم على طلاب الدراسات العليا يكونون على ثغر من ثغور الإسلام ولابد من التخصص وتقاسم الأدوار!
فنقول هذا صحيح إلى حد ما لو لم يكن بالإمكان الجمع بين المسؤولية العلمية الأكاديمية والواجب الديني المجتمعي، أو كان في قيام البعض بمهام التصدي لليبراليين وأضرابهم كفاية أو تحقيقاً للواجب الكفائي.
لكنّ المؤكد المقطوع به إننا بحاجة ماسة إلى العديد من الأقلام المتميزة ذات القاعدة العلمية المتينة والبعد الاطلاعي الواسع والأفقي الشامل لتخطّ مقالات رشيقة تقفز على هامات عواجيز الصحافة فتدق أعناقهم وتحطم كبريائهم وتمرغ أنوفهم في التراب.
إن بعض أساتذة الجامعات أمضى في رسالة الماجستير سنتين أو أكثر وأربع سنوات في الدكتوراه أو أكثر وأشرف على عشرات الرسائل العلمية وناقش مثلها, وأمضى أشهراً أو سنوات لاستكمال بحوث الترقية ونحوها ومع ذلك يبخل في بضع ساعات لتأمل قضية ليبرالية أو مطالعة أطروحة علمانية ومن ثَمّ نقضها أو نسفها بكلام علمي وردّ منطقي وأسلوب سلس جذاب يحق الحق ويبطل الباطل.
لقد كان الشيخان الفاضلان عبد العزيز بن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- يشغلان منصبين تعليميين جامعيين فالأول كان رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية والثاني أستاذ جامعة الإمام -فرع القصيم- مع ذلك فلا تحصى مقالات وخطابات الشيخين في كل القضايا التي تهم المسلمين بل اشتهر عن ابن باز مخاطبته الفورية لرؤساء الدول ناصحاً وناقداً وموجهاً رغم وجود شيخه ابن إبراهيم -رحمه الله- وأما ابن عثيمين فقد كتب وحاضر بل وكان خطيباً راتباً في جامع عنيزة يناقش ويعالج كل واقعة ونازلة وحادثة بأسلوبه العلمي الفذ.
رغم أن الشيخين يشغلان العديد من المهام الرسمية والاحتسابية ولديهم مما يشغلهم عن تدبيج المقالات وارتجال الخطب الأسبوعية ما تبرأ به الذمة ولكنها الهمم العالية والنفوس السامية والضمائر الواعية والقلوب الحية فأجزل الله مثوبتهم ورفع قدرهم ورحمهم الله رحمة واسعة.
ألا فإنه قد آن أوان الجد، وحان زمن الصدق والتجرد فأروا الله من أنفسكم خيرا يا أساتذة الجامعات, وعودوا لأرض المعركة فقد حمي الوطيس وعلا صهيل الخيل فلا تولوهم الأدبار!
اللهم عفوك يا كريم.
د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
23/ 12/1431هـ
¥