تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من رحمة الله تعالى بعباده أنه لما ابتلى أهل الحق بفتنة أعدائهم لهم، وتسلطهم عليهم، وانقلاب بعض إخوانهم على مناهجهم فإنه سبحانه بين أسباب الثبات على الحق ليحافظ عليها من أراد الثبات، ومن تلكم الأسباب:

1 - قراءة القرآن بتدبر، ففيه قصص الثابتين على الحق للاقتداء بهم، وقصص الناكصين للحذر من سلوك مسلكهم قال الله تعالى [قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] {النحل:102} وقال تعالى [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا] {الفرقان:32}.

2 - نصرة الدين بشتى أنواع النصرة بلسانه أو قلمه أو يده والدفع عن الإسلام؛ فإن فاته شرف الجهاد في سبيل الله تعالى بيده فلا يفوته شرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه من الجهاد، وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، ومن كان ناصرا لدين الله تعالى فإنه يستحيي أن ينقلب عليه، والله تعالى وعد من نصر دينه بالنصر، والمنصور يثبت على الحق ولا ينقلب عليه، قال الله تعالى [وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] {الحج:40} وقال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] {محمد:7}.

3 - الدعاء بالثبات؛ فله أثر عجيب في ذلك، ذلك أن القلوب بيد الله تعالى، قال الله تعالى [وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ] {البقرة:250} وقال تعالى [وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ] {آل عمران:147} وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»

4 - الاستعاذة بالله تعالى من الكفر والنفاق؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من الكفر وهو معصوم منه ([27])،وإذا خرج من منزله تعوذ من الزلل والضلال والظلم والجهل ([28]).وكان يتعوذ بالله تعالى من الحور بعد الكور ([29])، قال الترمذي في معناه: إِنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ، أَوْ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى المَعْصِيَةِ، إِنَّمَا يَعْنِي الرُّجُوعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ. ([30])

5 - فعل المأمورات، واجتناب المحظورات؛ فإن الشيطان يزين للعاصي تسويغ معصيته بالدين، قال الله تعالى في العاصين من بني إسرائيل [وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا] {النساء:66}.

مع السعي الجاد في طاعة الله تعالى، وكثرة عبادته؛ فأهل الكهف لما سعوا إلى طاعة ربهم، وهربوا من شرك قومهم أعانهم الله تعالى على ما أرادوا، وثبتهم عليه، وقص الله تعالى علينا خبرهم لنتأسى بهم في الثبات [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى] {الكهف:13} والصحابة لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحديبية طائعين لله تعالى ثبتهم الله تعالى على إيمانهم قال الله تعالى [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ] {الفتح:4}. مع مجاهدة النفس على الإيمان والطاعة، والبعد عن المحرمات [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ] {العنكبوت:69} فوعد الله تعالى بهدايتهم متى ما جاهدوا أنفسهم، وخصهم بمعيته لأنهم محسنون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير