و كذلك عند البغوي في شرح السنة عن جابر مرفوعا: لا ترسلوا فواشيكم و صبيانكم اذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء.
و في رواية الشيخان:اذا كان جُنحُ الليل فكفُوا صبيانكم فان الشياطين تنتشر حينئذ فاذا ذهبت ساعة من العشاء فخلوهم.
و زاد الامام احمد بسند صحيح: فان للجن انتشارا و خطفة.
و فحمة العشاء هو شدة سواد الليل و ذلك يكون في اول الليل قاله اهل اللغة.
و الفواشي: كل شيء ينتشر من المال كالغنم و الابل السائمة و هي جمع فاشية قاله الالباني
جنح الليل: اذا اقبل ظلامه قال الطيبي: جنح الليل طائفة منه و اراد به هنا الطائفة الاولى منه عند امتداد فحمة العشاء.
الحكم الرابع:
قوله صلى الله عليه و سلم: و أجيفوا الابواب و اذكروا اسم الله عليها فان الشيطان لا يفتح بابا أُجيف و ذُكر اسم الله عليه.
اجيفوا: قال ابن منظور:اجاف الباب أي رده عليه.
لا بدّ ان يتححق امران اثنان اغلاق الباب اولا و التسمية ثانيا و الا فالشيطان يلج ...
و هنا لفتة لطيفة يلزمنا الوقوف عندها قليلا و للمتأمل في جميع النصوص لير ان الاخذ بالاسباب شرع و دين .....
فلا ينفكّ سبب الدنيوي عن سبب الايماني و لذا كان قوله تعالى كما في سورة الانفال (و اعدوا لهم ما استطتم من قوة و من رباط الخيل .... )
يتضمن الاعداد المادي و المعنوي ....
ثم كان في سورة مريم لخير دليل فقال تعالى:
(و هزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)
فالمراة في وضع مخاض و طبيعة بنيتها ضعيفة فهي وهنٌ على وهنٍ و مع هذا كلّفها المولى بهز جذع النخلة و هذا لا يستطيعه رجل بله اقوى الرجال!!!
و الهز هذا محفوف بقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطتم) و عندها (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) و ما هذا و لا ذاك الا هو عين الاخذ بالاسباب و طلب عون المسبب .....
الحكم الخامس و السادس و السابع
قوله صلى الله عليه و سلم: و غطّوا الجرار و أكفِئُوا الانية و أوكوا القرب
و في رواية لاحمد: غطوا الاناء و اوكوا السقاء فان في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر باناء لم يغط و لا سقاء لم يوك الا وقع منه من ذلك الوباء. صححه الالباني: 3076
و في رواية لمسلم: خمروا آنيتكم و اذكروا اسم الله و لو ان تعرض عليه شيئا.
اوكوا بفتح الهمزة و ضم الكاف من الايكاء القاء بكسر السين أي شدوا و اربطوا رأس السقاء بالوكاء و هو ما يشد به القربة
اكفئوا: أي اقلبوه .... قاله صاحب تحفة الاحوذي.
و يعني هذا انه لا يستحب ترك ما يؤكل او يشرب مكشوفا .... فطبق الصحن يغطى بمثله و ووعاء الشرب يشد على رأسه و لو كانت التغطية و الشد شكليّ لقوله صلى الله عليه و سلم كما في مسلم عن ابو حميد الساعدي قال:
اتيت النبي بقدح لبن من النقيع ليس محمرا فقال: الا خمرته؟ و لو تعرض عليه عودا ...
قال ابو حميد: انما امر بالاسقية ان توكأ ليلا و بالابواب ان تغلق ليلا.
و هذا ما شرحناه آنفا عندما تحدثنا عن الاخذ بالاسباب .... فمن البديهي ان العود لا يستوعب فوهة الوعاء و لكنه يمنع وصول الوباء اليه .... و كل هذا لان العبد عمل ما بوسعه .... فلو وجد ما يغطي جميع فوهة الاناء للزمه ذلك ...
ثم هذا خاص بالليل لذاك الوباء ....
و قال النووي رحمه الله:
ذكر العلماء للامر بالتغطية فوائد منها:
1 - صيانته من الشيطان فان الشيطان لا يكشف غطاء و لا يحل سقاء
2 - صسانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة
3 - صيانته من النجاسة و المقذرات
4 - صيانته من الحشرات و الهوام
هذا و ذكر النووي ناقلا عن غيره بما في مضمونه ان التغطية ليست مخصوصة بوقت من الاوقات و هذا لم نراه في احاديث النبي صلى الله عليه و سلم فيبقى الامر مقصور على الليل لا غير و الله تعالى اعلم و احكم.
ثم في روايم البخاري: ... و اطفئوا المصباح فان الفويسقة ربما جرت الفتيلة فاحرقت اهل البيت.
و مثل هذا حديث ابن عباس كما عند ابو داود و ابن حبان و الحاكم قال:
جاءت فأرة تجر الفتيلة فالقتها بين يدي رسول الله على الخمرة التي كان قاعدا عليها فاحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال: اذا نمتم فاطفئوا سرجكم فان الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم.
و هذا لا ينطبق الا القناديل و الشمع مما تستطيعه الفويسقة ....
هذا و جملة القول تتضمن علاجا قبل حلول المرض و التواء الجذع فمن اشتكى فلذة كبده فلا يلومن الا نفسه و من اشتكى مسّا او لبسا فلا يلومنّ الا نفسه و من شكى مرضا او وباء فلا يلومنّ الا نفسه ....
و نسأل الله تعال العافية و السلامة لنا و لكم اللهم آمين.