ويجد القارئ والسامع في أثناء ذلك الترجيح المبني على قاعدة، أو التنبيه على خطأ في فهم آية.
ففي تفسير قوله تعالى: [وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ] (آل عمران: 27)، يرجح الشيخ أن الآية عامة في الحياة الحسية، كإخراج الإنسان من النطفة، والمعنوية كإخراج الكافر من المؤمن.
ويعلل الشيخ لهذا الترجيح بقوله: «إذا صلح اللفظ للمعنيين بدون تنافٍ بينهما فالواجب حمله عليهما».
وعند قوله تعالى في وصف يحيى عليه السلام: [وَسَيِّداً وَحَصُوراً] (آل عمران: 39).
قال الشيخ: «أي: حاصراً نفسه عن أراذل الأخلاق، وأما من قال من المفسرين إن (الحصور) الممنوع عن إتيان النساء، فإن في هذا نظراً واضحاً؛ لأن عدم قدرة الإنسان على النساء ليس كمالاً، ولكنه عيب، وفيها قول آخر أنه لا يأتي من النساء من لا تحل له فيكون وصفاً له بكمال العفة، لكن ما قلناه أشمل من هذا القول، فهو مقدم على المعنى الأقل».
وعند قوله تعالى: [كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ] (آل عمران: 37).
ينبه الشيخ على خطأ من كتب الآية على طاق القبلة، يظن أنه هو المحراب المراد بالآية، وإنما هو مكان العبادة.
والشيخ حريص كل الحرص على عدم الوقوع فيما وقع فيه كثير من المفسرين من حشد الإسرائيليات والاعتماد عليها؛ فعند قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً] (البقرة: 67)، قال الشيخ: «وقد ذكر المفسرون هنا إسرائيليات كثيرة حول هذا الموضوع ولكن لا يعنينا أن نُعيِّن مَن هذا القاتل؟ ومَن هذا المقتول؟ وإنما المقصود أنه قتلت نفس فادارؤوا فيها، أي: تخاصموا».
ثم هو يشكك فيما قيل عن مريم عند قوله تعالى: [وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً] (آل عمران: 37).
إنها تنمو في العام ما ينمو غيرها في عامين.
قال الشيخ: «ولعلها من الإسرائيليات ...
فالله أعلم».
وعند قوله تعالى: [وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً] (آل عمران: 37).
قال الشيخ: «قال بعض المفسرين وهو من الإسرائيليات يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء».
وبعد هذه المعالم العامة نجدنا مضطرين إلى إبراز معالم أساسية في منهج الشيخ في تفسيره وهي: أولاً: التفصيل في أحكام القرآن، وبيان الراجح منها بدليله، دون تعصب لمذهب معين: وهذا أشهر من أن يُذكر فيه مثالٌ؛ لأن الشيخ رحمه الله تعالى كان فقيهاً مجتهداً، وكان لا يمرُّ بآيةٍ من آيات الأحكام إلا فصَّل في ذلك الحكم وبينه.
ثانياً: ذكر القضايا الفقهية المعاصرة المرتبطة بالآية، وبيان الحكم فيها: ومن ذلك ما قاله في تفسير قوله تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ] (البقرة: 219)، قال: «فلو تقامرا على شيء من المال بأي صفة من الصفات؛ فإن ذلك يعتبر مَيْسراً، ومن ذلك ما يسمى بالحظ والنصيب، فإنه ميسر، ومن ذلك التأمين على الأموال أو على السيارات أو على البيوت أو على النفوس أو ما أشبه ذلك».
ثالثاً: تنزيلُ الآيات على الواقع المعاصر، وربطها به: ففي قوله تعالى: [وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ] (البقرة: 221)، قال: «إن في الآية رداً واضحاً على الذين أطلقوا أن دين الإسلام دين مساواة؛ لأن التفضيل ينافي المساواة.
والعجيب أنه لم يأت في الكتاب ولا في السنة لفظ المساواة أبداً؛ لأن الله ما أمر بها، ولا رغب فيها؛ لأنها ليست صحيحة، فإذا قلت بالمساواة دخل الفاسق والكافر والمؤمن والذكر والأنثى، وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام من المسلمين، لكن جاء الإسلام بكلمة هي خير من تلك الكلمة، وليس فيها احتمالٌ أبداً، وهي: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ] (النحل: 90)، فكلمة العدل تقتضي أن نسوِّي بين الاثنين حيث اتفقا في الصفات المقتضية للتسوية، وأن نفرق بينهما حيث اختلفا في الصفات المقتضية للتفريق».
وانظر أيضاً حديثه في هذه الآية عن التنبيه على الدعوة التنصيرية التي يقوم بها النصارى في هذا العصر.
وانظر ذكره فائدة في قوله تعالى: [نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ] (البقرة: 223)، فقد ذكر الدعوة إلى تحديد النسل، وردَّ عليها.
¥