قالت رضي الله عنها: فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت " وفي رواية: فسترت " وجهي عنه بجلبابي ... ) متفق عليه.
فصفوان بن المعطل رأى سواد إنسان فأقبل إليه. وهذا السواد هو عائشة ـ رضي الله عنها ـ وكانت نائمة، كاشفة عن وجهها، فعرفها صفوان، فاستيقظتْ باسترجاعه؛ أي بقوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فعائشة رضي الله عنها لما قالت (فعرفني حين رآني) بررت سبب معرفته لها ولم تسكت فكأن في ذهن السامع إشكال: كيف يعرفها وتغطية الوجه واجب. فقالت: (وكان رآني قبل الحجاب).
وفي قولها (وكان رآني قبل الحجاب) فائدة أخرى، ودليل على أن تغطية الوجه هو المأمور به في آية الحجاب.
ثم قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ (فخمرت " وفي رواية: فسترت " وجهي عنه بجلبابي) وقولها هذا في غاية الصراحة.
الدليل الرابع: قول عائشة -رضي الله عنها-: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه” أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن.
الدليل الخامس: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام) إسناده صحيح أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (انظر الإرواء 4/ 212).
ويقول بعض الناس إن النصوص الواردة في تغطية الوجه خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الشبهة الضعيفة تروج عند كثير من العامة والجواب عنها أن يقال:
إن الأصل في نصوص الشرع هو العموم إلا إذا دل الدليل على التخصيص، ولا دليل. هذا أولاً.
ثانياً: أنه قد ثبت عن نساء الصحابة تغطية الوجه كما في أثر أسماء السابق (كنا نغطي وجوهنا من الرجال) فأسماء ليست من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقولها (كنا نغطي) يعم نساء الصحابة.
ثالثاً: أن الأمر بالحجاب ورد مصرحاً به لجميع نساء المؤمنين في قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ".
وأنقل هنا أقوال بعض العلماء في وجوب تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب:
قال أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (ت370هـ) في تفسيره لقوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن): " في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر و العفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن ". (أحكام القرآن 3/ 371).
قال أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله (ت 543هـ) عند تفسيره لقوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب): " و المرأة كلها عورة؛ بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها " (أحكام القرآن 3/ 616).
قال النووي رحمه الله (ت676هـ) في المنهاج (وهو عمدة في مذهب الشافعية): " و يحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة (قال الرملي في شرحه: إجماعاً) وكذا عند الأمن على الصحيح ". قال ابن شهاب الدين الرملي رحمه الله (ت1004هـ) في شرحه لكلام النووي السابق: " و وجهه الإمام: باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، و محرك للشهوة .. وحيث قيل بالتحريم وهو الراجح: حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير عينيها و محاجرها كما بحثه الأذرعي، و لاسيما إذا كانت جميلة، فكم في المحاجر من خناجر "اهـ (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الشافعي 6/ 187ـ188).
قال النسفي الحنفي رحمه الله (ت701هـ) في تفسيره لقوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن): " يرخينها عليهن، و يغطين بها وجوههن وأعطافهن " (مدارك التنزيل 3/ 79).
¥