شَيْئاً (9)
فالعظم وهن ضَعُفَ و الرأس ابيض و الزوجة بلغت سنّ اليأس فكان يحيى عليه السلام ....
ثم قال تعالى () فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102)
و لك أن تتخيل ابراهيم عليه السلام و بشرى ربه باسماعيل بعد انقطاع السبب يا ليت شعري كم سيحظى اسماعيل بحبّ أبيه له!!!
ثمّ بلغ معه السعي, يغدوان و يروحان معاً و بات اسماعيل الصّاحب المعين و الأنيس المطيع, و هذا اعلى مقامات تعلق القلب بغيره ... لكنّ ابراهيم كان أمّة!!!!
رأى ما يراه النّائم و رؤياهم صلوات ربي و سلامهم عليهم رؤيا لا يمثّل الشيطان بها و لا يختلجها, و هذا الفارق بين رؤيا الأنبياء و منْ دونهم و منْ ظنّ و نطق بذا الظنّ اللسان أو أقرّه بقلبه أن ما يراه النّاس عبثا و لا قيمة له فقد اتّهم الرسالة و بات على شفا جرف هار!!!!
فالانبياء عبّروا ما يرونه و هم نيام و عبّروا لغيرهم ممّن هم دونهم مقاماً بل و منهجا كيوسف عليه السلام مع سجينه و عزيز مصر ....
و قلّد الصحابة الكرام فعل نبيّهم صلى الله عليه و سلم فكانوا لرؤيا النّاس مشمّرين و منْ تورع عن هذا أو صدّ عنه فيا ليت شعري ضاقت به المحرمات و لم يبق الاّ ما يراه النائم فاشهر السيف ليُحارب التعبير و أجزاء النبوة!!!!
على كلٍّ رأى ابراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده و هذا حكمٌ شرعيٌ يتناقض مع منْ تناقلوا مقولة (لا تؤخذ الأحكام من الرؤى) و إنْ كنتُ أوافق بالجملة و لكنني أخالف حيث التفصيل فيه بعون الله تعالى سدّ رمق الجائع و ارواء ظمأ الغليل ....
فالرؤيا تشتمل على تبشيرٍ و تحذيرٍ و أحكامٍ و غيرها ....
و الانبياء يرون ما يراه غيرهم من النّاس بينما يتميّزون عن غيرهم أنّ رؤياهم ليس للشيطان فيها حظاً فتأتي رؤياهم مثل فلق الصبح ....
بينما رؤيا غيرهم من الناس فيها ما تحدّثهم بها أنفسهم و املاء الشيطان من جهة و كلام من الله تعالى من جهة أخرى ...
فإن رأى النّائم ما رآه ابراهيم عليه السلام من ذبحٍ او قتلٍ و سفكٍ للدّماء فهذه رؤيا وسوس فيها الشيطان كثيرا بل و عشعش اللهم الاّ بقرائنٍ تحملها على عكس صورتها ...
فالشيطان لا يأمر بخيرٍ البتة و لذا لو رأى النّائم أنّ هاتفاً يحثّه على صيام يوم غدٍ و هذا حكم شرعيّ لا خلاف فيه لا يحمل عنوان البشرى و لا النذير و التحذير!!!
و الصيام من شريعة محمد صلى الله عليه و سلم و الشيطان توعّد بالصدّ عن الصراط السويّ فهذه الرؤيا ابعد عن وسوسة ابليس و املائه الاّ إن صادف يوم غدٍ صيام السبت أو صيام العيد أو صيام يوم الشكّ و غيرها من الايام التي نصّت الشريعة على تحريم صومها فللشيطان فيها قدم ...
و ملاك هذا كلّه أنْ يعرض الرائي أوامر ما رآه في نومه على الكتاب و السنة فإن حثّت الشريعة على فعله و خلا الفعل من عارض يمنع الامتثال به فهي رؤيا يلزم الرائي تحقيقها تحقيقا وجوباً أو استحباباً ...
و لا يغرنّك قولي وجوبا فتجعل بيني و بينك سداً كسد يأجوج و مأجوج فالوجوب لا يأتي من رؤيا الاّ من باب التذكر لواجب منسيّ ...
يتبع ان شاء الله تعالى ....