تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3_ إذا تم عقد النكاح العرفي بإيجاب من الولي وقبول من الزوج وشهد عليه شاهدان، وتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم إذاعته فهذا زواج باطل عند الإمام مالك (7) رحمه الله تعالى، وعند ابن شهاب الزهري (8)، وأكثر أهل المدينة، والليث بن سعد (9). لكونه نكاح سرّ (10).

والشهادة عند المالكية واجبة مثل اشتراطهم وجوب الإعلان عند العقد، ولكن يجوز تأخير الشهادة عن العقد إلى ما قبل الدخول، فإن لم يشهد عليه أحد قبل الدخول انفسخ النكاح ووجب الحد إذا أقر بالدخول أو ثبت بشهادة أربعة شهود، لكن لو أعلن النكاح بوليمة ونحو ذلك فإن الحد في هذه الحالة يدرأ. يقول الشيخ الدسوقي (11): "حاصله أن الإشهاد على النكاح واجب، وكونه عند العقد مندوب زائداً على الواجب فإن حصل الإشهاد عند العقد فقد حصل الواجب والمندوب، وإن لم يحصل عند العقد كان واجباً عند البناء" (12).

وذهب أئمة المذاهب الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى صحة العقد الذي شهد عليه شاهدان وإن تواصى الجميع بكتمانه، لأن السرية عندهم تزول بالإشهاد، وإشهاد رجلين هو الحد الأدنى للإعلان الذي يصح به النكاح (13).

4_ العقد العرفي الذي تم بإيجاب وقبول بين رجل وامرأة وبشاهدين من غير ولي باطل عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد لأن الولي شرط في صحة النكاح عندهم، فإن كان سرّاً فهو باطل عند مالك لكونه نكاح سرّ، ولخلوه من الولي. أما عند الإمام أبي حنيفة فإنه لا يبطل العقد بخلوه من الولي، ولكنه يرى أن من حق الولي مطالبة القاضي بفسخ العقد إذا كان الزوج غير كفء (14).

حُكمه:

وبناء على ما تقدم نستطيع أن نقول إن النكاح العرفي إذا عقد سرّاً بين رجل وامرأة من غير ولي ولا شهود فهو باطل باتفاق أهل العلم، وإن عقد بولي وشهود وتواصى الجميع على كتمانه فهو باطل عند مالك، صحيح عند باقي الأئمة، وإن عقد بولي من غير شهود فهو باطل عند الأئمة كلهم، خلافاً للإمام مالك الذي لم يشترط أثناء العقد حضور الشهود مشترطاً بدلاً من ذلك الإعلان والظهور، أما الشهادة عنده فهي واجبة قبل الدخول على ما بينّا. فإن عقد من غير ولي فهو باطل عند الثلاثة صحيح عند أبي حنيفة.

وبذلك يظهر من خلال هذا العرض السابق أن الذين يفتون بأن عقد الزواج العرفي إذا كان بإيجاب وقبول وشهود عقد شرعي إذا لم توجد فيه وثيقة قول يحتاج إلى تفصيل وبيان.

وفي الاتجاه المقابل فإن من يذهب إلى القول بحرمة هذا الزواج، فهو قول يحتاج أيضاً إلى بيان وتفصيل الأسباب المصاحبة التي أدت إلى القول بذلك، ولا نعتبر تحريمهم له بوصفه زواجاً عرفياً حكماً سليماً. وعلى هذا ينقشع الكثير من الخلاف الدائر حول الزواج العرفي إذا تم التعامل وفق الفهم السابق والله أعلم.

والأولى في ذلك أن توازن المصالح والمفاسد بحيث لا يكون الزواج العرفي ضرباً من العبث أو سبباً لانتشار الفساد وإذا أصدر ولي الأمر أمراً يتعلق بذلك فيجب الالتزام به حتى تضبط الأمور ويكون هذا من قبيل السياسة الشرعية، والله أعلم.


(1) ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب، مادة عرف، ج2، ص 745 - 747، بشيء من الاختصار.
(2) الأزهري، أبو منصور: تهذيب اللغة، (القاهرة: الدار المصرية للتأليف، (د. ط)، (د. ت)، ج4، ص 57.
(3) جاء هذا التعريف في إجابة سؤال عن الزواج العرفي في مجلة البحوث الفقهية، مجلة علمية محكمة في الفقه الإسلامي، العدد (36)، السنة التاسعة، رجب – شعبان – رمضان، 1418هـ، نوفمبر – ديسمبر – يناير 97 - 1998م.
(4) عزمي، ممدوح: الزواج العرفي، ص 11، وراجع في هذا الموضوع مجلة البحوث الفقهية: عدد 36، ص 194.
(5) الشريف، حامد: الزواج العرفي، (القاهرة: الدار البيضاء، (د. ط)، (د. ت))، ص 49.
(6) ابن تيمية، تقي الدين: مجموع الفتاوى، ج33، ص 158.
(7) انظر: أبو البركات، الدردير: الشرح الصغير، ج2، ص 382.
(8) ابن شهاب الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، أبو بكر القرشي، أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء، تابعي من أهل المدينة، توفي سنة 124هـ الذهبي، محمد: سير أعلام النبلاء، ج5، ص 326، الزركلي، خير الدين: الأعلام، ج7، ص 97.
(9) الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث الفهمي، عالم الديار المصرية، إمام أهل مصر في عصره حديثاً وفقهاً، أصله من خراسان، قال الإمام الشافعي فيه: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به، الذهبي، محمد: سير أعلام النبلاء، ج6، ص 179.
(10) ابن تيمية، تقي الدين: مجموع الفتاوى، ج16، ص 212، 214، 215.
(11) الدسوقي: هو محمد عرفة الدسوقي المالكي، ولد ببلدة دسوق من قرى مصر، توفي بالقاهرة في سنة 1230هـ، انظر مقدمة حاشية الدسوقي، الزركلي، خير الدين، ج6، ص 17.
(12) الدسوقي، شمس الدين محمد عرفة: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (القاهرة: مكتبة زهران، طبعة مصطفى البابي الحلبي، (د. ت))، ج2، ص 216، وانظر: الدردير، أبو البركات: الشرح الصغير على أقرب المسالك، ج2، ص 382، الإمام، أبو الفيض: مسالك الدلالة، (دار الفكر: (د. ط)، (د. ت))، ص 181، انظر أيضاً: تحقيق المسألة في الفقه المالكي، زيدان، عبد الكريم: المفصل في أحكام المرأة، (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1413هـ - 1993م)، ج6، ص 109 - 112.
(13) راجع في صحة العقد الذي شهد عليه شاهدان: الكاساني، علاء الدين: بدائع الصنائع، ج2، ص 252، النووي، شرف الدين: روضة الطالبين، ج7، ص 45، ابن قدامة، موفق الدين: المغني، ج9، ص 347.
(14) راجع في حكم الولي في عقد النكاح: ابن قدامة، موفق الدين: المغني، ج7، ص 337، ابن رشد، أبو الوليد: بداية المجتهد، ج2، ص 9، الكاساني، علاء الدين: بدائع الصنائع، ج2، ص 441 - 447.

المصدر http://almoslim.net/node/83373
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير