تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمتأمل المنصف يرى أن نشر مثل هذه الجرائم لا يبعد أن يكون داخلا تحت قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون .... )

قال السعدي: فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟ " وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة، وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فلذلك علّمكم، وبين لكم ما تجهلونه .. ا. هـ

ومما ينبغي الالتفات إليه هو فهم الصحابة رضي الله عنهم لخطورة نشر ما لا يجوز نشره خشية أن يطير بالخبر من رعاع الناس ومن ثم يضعونها في غير مواضعها ولذلك قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عوف لابن عباس ((لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وَأَنْ لَا يَعُوهَا وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا)) (البخاري).

ولا شك أن مثل هذه الأخبار نوع من الخوف الذي يقلق الناس الذي ينبغي عدم التسرع في نشره بل يجب الرجوع فيه الى ولاة الأمر من الحكام والعلماء الذين يعرفون حقيقة التعامل مع هذه الأخبار ولذلك قال الشوكاني رحمه الله عند قوله تعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ الأمن أَوِ الخوف أَذَاعُواْ بِهِ} وهؤلاء هم جماعة من ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئاً من أمر المسلمين فيه أمنٌ نحو ظفرِ المسلمين، وقتلِ عدوِّهم، أو فيه خوفٌ نحو هزيمةِ المسلمين وقتلِهِم أفشوه، وهم يظنون أنه لا شيء عليهم في ذلك. وقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ} وهم أهل العلم والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم أو هم الولاة عليهم {لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه بتدبيرهم وصحة عقولهم. والمعنى: أنهم لو تركوا الإذاعة للأخبار حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يذيعها، أو يكون أولي الأمر منهم هم الذين يتولون ذلك؛ لأنهم يعلمون ما ينبغي أن يُفشىَ، وما ينبغي أن يُكتم. ا.هـ

ثم إن نشر هذه الجرائم الأخلاقية عبر وسائل الأعلام يفرح الأعداء والحاقدين والحاسدين وأهل الشهوات والمنكرات ويشمتون بمجتمعنا وخاصة عندما تنقل الأرقام والإحصائيات المخيفة لهذه الجرائم ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يدلل على أن الأعداء من أصحاب المنكرات والكفر والنفاق وغيرهم يتمنون أن يكون غيرهم مثلهم فقال: قال الله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} وقال تعالى في المنافقين: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه ودت الزانية لو زنى النساء كلهن. والمشاركة قد يختارونها في نفس الفجور كالاشتراك في الشرب والكذب والاعتقاد الفاسد وقد يختارونها في النوع؛ كالزاني الذي يود أن غيره يزني؛ والسارق الذي يود أن غيره يسرق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير