تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانياً: الذي أدين الله به أن من أكره مسلمة على نزع نقابها الذي تدين الله به وتستتر امتثالاً لأمر ربها به، وهو تحت ولاية المسلمين أنه يجب عزله، ومحاكمته لدى القضاء الشرعي، وإن لم يرجع عن عمله، فيُحبس حتى يرجع أو يقضي الله في أمره.

فالحجاب فريضة الله في سائر الشرائع، وتغطية الوجه شرعة الله لنساء المسلمين، قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) ولا تُعرف المرأة برجلها أو بكفها وإنما بوجهها.

روى ابن جرير بسند صحيح عن علي عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب.

وكانت عائشة تحث حتى المحرمات بحج وعمرة وهن من يحرم عليهن التنقب، تأمرهن بتغطية الوجه عند الرجال، فروى ابن سعد في "الطبقات" بسند صحيح من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن أمه وأخته أنهما دخلتا على عائشة يوم التروية فسألتها امرأة: أيحل لي أن أغطي وجهي وأنا محرمة؟ فرفعت خمارها عن صدرها حتى جعلته فوق رأسها.

روى ابن خزيمة في صحيحه، عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك.

وقال إمام أهل المناسك عطاء بن أبي رباح: يرفع المحرم ثوبه إذا كان مضطجعا إلى عينه، وتشدد المحرمة ثوبها على وجهها.

رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.

وقال فقيه المدينة القاسم بن محمد: تخمر المحرمة وجهها كله.

رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.

والمرأة السافرة هي من كشفت عن وجهها في لغة العرب، قال ابن المنذر في الأوسط: معروف في كلام العرب قولهم أسفرت المرأة عن وجهها، وأسفري عن وجهك اكشفي.

قال القرطبي المالكي (14/ 243): (كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الاماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف).

وقال الزمخشري -وهو من أئمة أهل اللغة-: (3/ 569): (ومعنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) أي: يرخينها عليهنّ، ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك).

إن التعدي على لباس الرجال الأحرار، لا تتقبله النفوس، فكيف التعدي على دين امرأة وعرضها، بإلزامها أن ترفع وتنزع ما تدين الله به، وليس هذا من كرامات الرجال، فضلاً عن أن يكون من دين الله الحق، روى ابن الجوزي في كتابه المنتظم بسنده عن القاضي محمد بن أحمد بن موسى قال: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين فتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهراً فأنكر فقال القاضي: شهودك؟ قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي! فقال: الزوج تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهى مسفرة لتصح عندهم معرفتها.

فقال الزوج: فإنى أشهد القاضى أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها!! فأخبرت المرأة بما كان من زوجها، فقالت: فإنى أشهد القاضي أن قد وهبته هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.

فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق.

ثالثاً: أن هذا البلد أنعم الله عليه أن قام على الدين القويم، والخلق المتين، والفطرة السوية، وأعظم أسباب استدامة النعمة والتمكين الثبات على تلك النعم، فالمُنعم عليه لا يتهنّأ بنعمته الواصلة إليه إلا بالشُّكر لواهبها، وأن الانقلاب على ذلك علامة تحول، وانخراط عقد الثبات، والتاريخ شاهد، وإن ترك المتهاون في ثوابت هذا البلد وما قام عليه، تجرأ هو وغيره، ولن يتجرأ أهل الباطل على باطلهم إلا عند أمان العقوبة.

وأعظم ما يجعل المحسن يتهاون في بذل إحسانه، أن يرى الرفعة والإحسان للمسيء وحينها يفسد الأمر ويضيع العمل، وكما قيل: إذا كان للمحسن من الثواب ما ينفعه، وللمسيء من العقاب ما يقمعه، بذل المحسن ما عنده رغبة، وانقاد المسيء للحق رهبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير