تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد يصبر صبراً طويلاً على الدين لما يرجو من عاقبته الدنيوية، كما وقع لرويم البغدادي الزاهد (ت:303) قال جعفر الخلدي: من أراد أن يستكتم سراً فليفعل كما فعل رويم كتم حب الدنيا أربعين سنة، فقيل: وكيف يتصور ذلك؟ قال ولي إسماعيل بن إسحاق القاضي قضاء بغداد وكانت بينهما مودة أكيدة، فجذبه إليه وجعله وكيلاً على بابه، فترك لُبْس التصوف، وَلَبِس الخز والقصب والديبقى وأكل الطيبات وبنى الدور وإذا هو كان يكتم حب الدنيا ما لم يجدها، فلما وجدها أظهر ما كان يكتم من حبها. [2] ( http://www.benaa.com:8686/Read.asp?PID=1874270&Sec=0#_ftn2) نقل حادثته هذه شيخ الإسلام ابن تيمية وعلق عليها بقوله: هذا مع أنه رحمه الله كان له من العبادات ما هو معروف، وكان فقيهاً على مذهب داود. [3] ( http://www.benaa.com:8686/Read.asp?PID=1874270&Sec=0#_ftn3)

وكم رأينا في زمننا هذا من أشخاص بدلوا حالهم بعد الجاه والمال أو في سبيل طلبهما؟!

ومن المشارطة على غاية صحيحة طلب العز والنصر والتمكين للأمة؛ فبعض الناس يلتحق بركب الأخيار ويلتزم حدود الشريعة، وينافح عن الدين بيده وقلمه ولسانه، ولكنه لا يجعل غايته من ذلك تحقيق العبودية لله تعالى، وطلب مرضاته، أو لربما اشترك في قلبه مع هذه الغاية غايات أخر، كمن يجعل التزامه بالمنهج الصحيح سلماً لعز الأمة ورفعتها وتمكينها، كونه يوقن بهذه الحقيقة المقررة في الكتاب والسنة.

وقد يرى كثير من الناس أن هذه غاية نبيلة ومطلوبة ومرغوب فيها، لكن يفوت عليهم أن تحقيق العبودية لله تعالى يجب أن يكون غاية لا يزحمها شيء البتة، ويكفي في سوء هذا المنهج أن أصحابه حولوا دين الله تعالى إلى وسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي عز الأمة وتمكينها ونصرها، فإذا فات هذا المطلوب غيروا الوسيلة لتحقيقه.

ومن راجع الخطاب الدعوي قبل عقدين فسيرى تكثيفاً في المبشرات بقرب نصر الأمة وعزها والتمكين لها، وأنها تعيش مرحلة مخاض، وأن نصر الله تعالى قريب، وأن اشتداد الظلمة يعقبه الفجر، وأن بعد العسر يسراً، فلما لم يقع ذلك كما قرروه في أذهانهم في زمن معين انسلخوا من منهجهم، وانقلبوا على من بقي عليه بالتنقيص والثلب؛ ليثبتوا للناس أن تحولهم عنه كان صحيحاً .. وليتهم لما فعلوا ذلك كفوا أقلامهم وألسنتهم عن منهج الأمس ومن ثبت عليه، ولم يصطفوا مع المنافقين في حربهم عليه.

ومن جعل المنهج الحق وسيلة لغاية أخرى فحري أن يفارق الحق إلى الباطل إذا لم تتحقق الغاية أو استبطأها. والواجب على المسلم أن يربي نفسه، وعلى الدعاة أن يربوا أتباعهم على جعل الحق هو الغاية، ولا يكون وسيلة لأي شيء آخر، ولنا عبرة في أنبياء الله تعالى الذين لم يُمَكَّن لبعضهم في الأرض، بل قتلهم أعداؤهم، وآخرون لم يتبعهم إلا قليل من الناس فهذا نبي الله تعالى نوح عليه السلام يخبر الله عنه فيقول ? وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ? [هود: 40] ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النبي وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ ليس معه. [4] ( http://www.benaa.com:8686/Read.asp?PID=1874270&Sec=0#_ftn4)

السبب الثاني: الجهل بسنة الله تعالى في معاملته لعباده، فيرى المتمسك بالدين أن نصوص النصر والعز والتمكين، وكون العاقبة للمتقين تتناوله وإخوانه، وأنهم الموعودون بذلك، مع ما فيهم من نقص وخلل في تحقيق شروطه، وأيضاً ما يعتريهم من استعجال في وقوعه، واستبطاء لتحقيقه؛ فيكيفون وعد الله تعالى لعباده بالنصر والتمكين على ما في أذهانهم، ويخضعون سنن الله تعالى في خلقه لمطلوبهم وعجلتهم.

والعجلة طبع في الإنسان لا يكاد ينفك عنه ? خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ? [الأنبياء: 37] والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن تمكين الله تعالى لدينه قال: وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ [5] ( http://www.benaa.com:8686/Read.asp?PID=1874270&Sec=0#_ftn5) فهو استعجال في طلب النصر، وتحقق سنن الله تعالى في عباده، ومن هنا ندرك الحكمة من كثرة التأكيد على أن وعد الله تعالى حق وقرنه بالأمر بالصبر والإخبار أن العاقبة للمتقين؛ لأن النفس البشرية جزوعة ملولة كثيرة السخط والتذمر، نزاعة للكسل والدعة والهوى، فلا بد من اليقين مع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير