تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا ريب أن أعظم أركان التجديد، تجديد أمر الإيمان وتجليته، وشد معاقد الاعتقاد وتقويته، وكشف شبه الابتداع وتنحيته، وقد كان له رحمه الله في هذا المضمار قصب السبق في تقريره وتقريبه، ومواجهة نوازله، والتصدي لخصومه، وسوف نتناول في هذه المقالة أمرين: أحدهما: جهوده رحمه الله في بيان العقيدة.

ثانيهما: منهجه في تقريرها.

وذلك بالتتبع والاستقراء لسيرته وأعماله وآثاره، مما هو مسطور في كتبه، أو عَلِمَهُ الكاتب من مخالطته.

أولاً: جهوده في بيان العقيدة: لما كان صلاح الباطن أصل صلاح الظاهر اتجهت همته رحمه الله إلى إصلاح القلوب وتنقيتها من شوائب البدع العقدية والظنون الفاسدة، وعمارتها بما خلقت له من العبودية التامة، والاعتقادات الصحيحة.

وقد تنوعت جهوده في هذا السبيل، وتوسل بجميع الوسائل الشرعية لبلوغ هذا الهدف النبيل، فمن ذلك: 1 - التأليف في مسائل الاعتقاد الإجمالية والتفصيلية: وقد جاء على صورٍ متعددة: أ - التلخيص والتقريب: فقد عمد الشيخ رحمه الله إلى بعض مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التي تأثر بها، وانتفع بقراءتها في مستهل شبابه، فأعاد ترتيبها وتبويبها، وهذبها، وقرب معانيها للقراء، وصنع لها العناوين الدالة، والتراجم المعبرة، والتعريفات الجامعة المانعة لما ورد فيها من مصطلحات عقدية وهي: * فتح رب البرية بتلخيص الحموية: وهو أول كتاب صنَّفه في حياته، وقد طبع أول مرة سنة 1380هـ، وله من العمر ثلاث وثلاثون سنة، لخَّص فيه «الفتوى الحموية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهي من أعظم فتاواه أثراً، وأبلغها حجة ونظراً؛ فلا غَرْوَ أن تجتذب همة شيخنا وعنايته في مقتبل عمره، لما تضمنته تلك الفتوى العظيمة من الأدلة القاطعة، والنقولات الواضحة عن أئمة السلف المتقدمين أن مذهبهم في باب الصفات هو الإثبات، لا التحريف ولا التعطيل ولا التمثيل ولا التفويض.

قال شيخنا رحمه الله: «ولما كان فهم هذا الجواب والإحاطة به مما يشق على كثير من قرائه أحببت أن ألخص المهم منه، مع زيادات تدعو الحاجة إليها» [6].

* مذكرة على العقيدة الواسطية: وهي أيضاً من تالد آثار الشيخ رحمه الله، ألَّفها «مذكرة للمهم من مقرر السنة الثانية الثانوية في المعاهد العلمية في التوحيد، على العقيدة الواسطية» [7]، وقد سلك فيها مسلك التلخيص والتقريب، بوضع التقسيمات النافعة، والتعريفات المركزة، مع المحافظة على مضمون الأصل، وإضافة ما تدعو الحاجة إليه، ومن المعلوم أن شيخ الإسلام رحمه الله كان يحتفي بها، ويحيل عليها، ويتحدى الخصوم أن يأتوا بحرفٍ واحد عن أحد من السلف يخالف ما جاء فيها [8].

وقد كانت هذه العقيدة المباركة أول متن يتعلمه شيخنا في صباه على يد أحد المعيدين من كبار تلاميذ شيخه عبد الرحمن بن ناصر السعدي [9] رحمه الله، فظل يعتني بها تلخيصا وشرحاً وتدريساً كما سيأتي.

* تقريب التدمرية: وقد قرب فيها الشيخ رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية، الموسومة بـ (تحقيق الإثبات للأسماء والصفات، وحقيقة الجمع بين القدر والشرع)، المشهورة اختصاراً بـ (التدمرية)، قبل وفاته بإحدى عشرة سنة تقريباً؛ لما رأى من صعوبتها على طلبة جامعة الإمام، أثناء تدريسهم إياها كما أخبرني مع عظم قدرها، وقوة إحكامها، قال في مقدمتها: «هذه الرسالة من أحسن وأجمع ما كتب في موضوعها، على اختصارها، ومن أجل ذلك فإني أستعين الله عز وجل في لَمِّ شعثها، وجمع شملها، وتقريب معانيها لقارئها، مع زيادة ما تدعو الحاجة إليه، وحذف ما يمكن الاستغناء عنه على وجه لا يخل بالمقصود» [10].

وهذا اللون من التصنيف خدم هذه المتون العقدية خدمة جمَّة، ويسرها لطالبيها، فانتفع بها المبتدئ، واستفاد منها المنتهي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير