[الأنوار الزكية والدرر البهية]
ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[21 - 12 - 10, 03:28 م]ـ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين
وآله الأطهار وصحبه وعباده الصالحين
العبد الموقن له ايمان بصفات الله تعالى الواردة
في القرآن والسنة بلا تحريف لمعانيها أو تعطيل لما
تدل على أنها صفات متسمة بالكمال ولا ادعاء لمعرفة
كيفياتها ولا تمثيل بينها وبين صفات المخلوق وهذا
الأصل العظيم نهجه الصحابة والسلف الصالح من بعدهم
والله تعالى موصوف بصفات الكمال المطلق
ومعرفة الحق تستوجب العلم الراسخ الجامع لجميع المراتب والصفات الكمالية ومطلق أحديتها قال تعالى (ذلك بأن الله هو الحق) الآية، ومعناه الواجب لذاته الثابث في نفسه الواحد في صفاته وأفعاله.
وهذه المعرفة ليست مجرد رسم بل تحقق بأعماقك ووجدانك وما وهبك الله تعالى
من مواهب بالحق فترقى في مسارك العرفاني، وكلما ارتقيت استولى على شعورك أنه الحق يقينا واليقين هو العلم الذي لا يتحول في القلب فلا يرجع منه الى غيره لأن ما سوى
الحق باطل كما أن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان كونه مبديا لكل ما يوجد من الموجودات عالما بكل المعلومات والعبد يرقى الى ادراكها بعلمها الحاضر بواسطة دراكاته الموهوبة ويرقى الى مشاهدتها الحقة، لأن علمها الأوفى ساطع دوما ظاهرا وباطنا،
وعلمنا بذلك هو القليل القليل، لذا قال أهل الله أنهم لم يروا شيئا الا رأوا الله فيه وان كان هذا يدل على شيء فانما يدل على سلامة قلوبهم الطاهرة وصحة يقينهم بالله ورؤية الحق
ببصر قلوبهم وصفاء توحيدهم.
والله تعالى أظهر من خلقه فالذي خلق لهو الأظهر الا أن مواهبنا
وتفقهنا لم يرق الى استجلاء هذه الحقائق بمداركنا وهذه
الرؤية الحصينة المطهرة اذا تأملناها بكل عمق سنجد أن خلقها
كثيف قام في لطيف، والكثيف عبارة عن ذرات واللطيف عبارة
عن أنوار، وهناك السر وهو ألطف من اللطيف، كما أن هناك
الأخفى من السر وهكذا الى ما لا نهاية، والله سبحانه وتعالى
يعلم السر وأخفى وهذه الأبعاد التي لا تتناهى في هذا الخلق
البديع والقلب يبصر اللطيف بأنواره الزاهية والغامرة ويستقرءها بوجدانه ولطائف هذا النور تسري
في الكائنات والمخلوقات للطفها وكل نور أحاط به علم الخلق فهو مخلوق وهو سبحانه خالق كل شيء و له العلم بكل شيء ما ظهر منه وما بطن
وأن الله تعالى بخلاف كل ما انتهى اليه فكرنا وعلمنا وأنه
سبحانه لا يحاط به علما وهو حقا ملكوت أعظم من أن يدرك أو
يحاط به وأن تنزيهه حقا ليس كالتنزيه بل بما نزه به نفسه سبحانه بما استحق بجلاله وجماله، والمتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أن هذه المعرفة تختلف عن كل المعارف
وهي معرفة حقا مطهرة تشع منها القداسة والرحمة، قال تعالى
في سورة مريم الآية 13
(وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وزكاة ... ) أي آتيناه رحمةً من عندنا، وطهارةً وتوفيقاً لمجلوبات التقوى وتحقيقاً لموهوباتها و أنه تعالى ألبسه كسوة من صفات رحمته حتى جعله رحمة للمنقطعين وشفاء لمرضى المحبين وجعله مطهرا بأن قدسه في بحر جلاله وآتيناه رحمة عظيمة عليه كائنة من جنابنا أو رحمة فى قلبه وشفقة على أبويه وغيرهما (وزكاة) أى طهارة من
الذنوب وهو سبحانه الذي وفق العابدين نهج التقوى والطهر والمحبة الخالصة
فمن أسرار هذه الآية نتطلع ونتأمل هذا الحب المودع بقوة
فنجد أنه غاية كل المقامات
العالية وثمرة ممارسة أعلى الفضائل وأسماها
وأزكاها، والعارف بالله هو من يرى الله في كل
شيء بل يراه عين كل شيء من غير
حلول وما الترقي الاجذب في مدارج
الكمال والعبد موطن أن يترقى في هذه المدارج فاذا نظر الى
معرفته فلا يعرف سوى الله فلا شيء يحجبه عن الله
والمحبة لا تحجبه عن المحبوب لأنه يحياها بوجدانه
والوصول ليس من قبل العبد بل بعناية الله
قال تعالى (ان الله بالناس لرؤوف رحيم) الآية
فمن صفات الألوهية الرأفة والرحمة والرأفة أخص
والرحمة أعم، وتصديرهما بحرف تأكيد مراد بيانه اتصافه
سبحانه وتعالى في ذاته العلية بالرأفة التي هي كمال الرحمة
وبالرحيمية التي هي المبالغة فيها على الدوام والاستمرار
وهو سبحانه الذي فتق بين قلوب أحبابه وألف بين قلوبهم
فأصبحوا بنعمة الله متحابين مؤلفة قلوبهم بما عرفوا من حق
والله تعالى هو ذو الفضل العظيم
¥