وهوسبحانه كتب على نفسه الرحمة والتزمها تفضلاً وإحسانًا، والمراد بالرحمة: ما يعُمُّ الدارين، ومن ذلك: الهداية إلى معرفته، والعلم بتوحيده، بنصب الأدلة، وإنزال الكتب والإمهال على الكفر
{كتب على نفسه الرحمة} جملة مستقلة داخلة تحت الأمر مسوقة لبيان أنه تعالى رؤوف بالعباد لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم التوبة والانابة ومعنى كتب الرحمة على نفسه التزمها وأوجبها تفضلا واحسانا لانه تعالى منزه عن أن يجب عليه شئ حقيقة وفى التعبير عن الذات بالنفس حجة على من ادعى ان لفظ النفس لا يطلق على الله تعالى {ليجمعنكم الى يوم القيامة} جواب قسم محذوف أى والله ليجمعنكم فى القبور مبعوثين أو محشورين الى يوم القيامة فيجازيكم على شرككم وسائر معاصيكم وان أمهلكم بموجب رحمته ولم يعاملكم بالعقوبة الدنيوية {لا ريب فيه} أى فى اليوم الموعود {الذين خسروا أنفسهم} أى بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية والعقل السليم وهو مبتدأ وخبره قوله {فهم لا يؤمنون} والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والاشعار بأن عدم ايمانهم بسبب خسرانهم فان ابطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك فى التقليد واغفال النظر أدى بهم الى الاصرارعلى الكفر والامتناع من الايمان والخروج عن دائرة الرحمة الخاصة
وعندما نتأمل الكون نرى هذا التناغم البديع الجلي المرسوم
بقدرة وتدبير وعناية، وأنه الكمال الذي يجعلنا نتشوق بحنين
وسمو وهمة بكل ما وهبنا الله عز وجل من مواهب ومشاعر
فياضة فنجول بذهننا في هذه المعاني الرحبة الممتدة الى ما
لا نهاية فيتحرك فينا كل جزء يدب فينا والعقل كلما بلغ
الى حقيقة تجده يتطلع الى حقيقة أكبر منه وأكبر، فلا ينتهي
شوق ولا همة الا وهناك ما هو أكبر فتقول بأعماقك سبحان الله
فنعرف المعنى الحقيقي
للحياة المرسوم بكل عناية وهي تشذو شذونا وتأملاتنا،
انها لحظات مفعمة بالصفاء
والطهر لحظات عابرة لا رياء تحرك
السمع والبصر والفؤاد فتحيي القلوب الوجلة لربها فتعانق بشوق وتتذوق بوجدان فتستجلي حقائق عظيمة عاليها نور وبشرها وملهماتها نور وحب وطهر وصفاء فنبتهل الى الله لأنه هو الصمد الغاية والكمال والمطلوب المحبوب وحده دون غيره
فاللهم ارحمنا اذا عرق الجبين وكثر الانين وبكى علينا الحبيب ويئس منا الطبيب اللهم ارحمنا اذا وارانا التراب وودعنا الأحباب وفارقنا النعيم وانقطع النسيم اللهم ارحمنا اذا نسى اسمنا وبلى جمسنا واندرس قبرنا وانطوى ذكرنا اللهم ارحمنا يوم تبلى السرائر وتبدى الضمائر وتنشر الدواوين وتحشر الموازين اللهم يا حى يا قيوم يا رحمن يا رحيم برحمتك نستعين
إذا فَرَغ الله عز وجل من القضاء بين خَلْقه، أخرج كتاباً من تحتِ العرش فيه: (ان رَحْمَتِي سَبَقَت غضبي وأنا أرحمُ الراحمين).
فهذه المعرفة أيها الأحباب الكرام تحمل طهرا وقدسية منهمرة وتختلف عن كل المعارف ما عهدناها وما لم نعهدها فنور الله ليس بمخلوق ولا مدرك، وهو القائل سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز (فانه يعلم السر وأخفى) الآية، ومعنى الأخفى أي ما خفي عن الخواطر والفهوم والأخفى نور ألطف من السر والروح والأقرب الى عالم الحقيقة ونعلم بيقين أنه موجود
ولا يدرك النور الا نور مثله والنور لا نعلم عنه سوى أنه نور، والنور يستدعي النور
ولا يدرك هذا النور الا القلوب التي تنقت وتزكت وتطهرت وكانت في غاية الصفاء فأبصرت ففاض عليها جود الحق وغشيتها الأنوار.
وما استولى على القلب ما كان غالبا عليه وما كان حاضرا على الدوام ومن أشرقت أنواره
أشرقت أسراره فما مر عليه خاطر الا خاطر الحق وخشية القلب يكون بمعرفة جلال الله العظيم فيبقى القلب في رهبة وخشوع وحضور ثم يلين الى جمال الله تعالى الذي هو مظهر اللطف والرحمة والحنان بيقين ثابث وعلم مستقر لا يتحول في القلب.
انه الله يا أحباب الحنان المنان بعظيم صفاته
وسأل عبد يوما أين الله فأجاب: في قلوب العارفينا
وهذا الخلق البديع يعمق فكرة أنك ترى قدرة عظيمة ونافذة
وجلية وهذه القدرة تراها رؤية علم وتستقرءها بأعماق وجدانك
وتتشوق حنانها وجمالها وجلالها وصفاتها الكاملة بما اودع الله وما ألهم في ملكوته
من لطائف جلي رحمته والقرب من صفات القلوب دون الأجسام
¥