تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيُّها الخطباء!

ـ[أبو عدي القحطاني]ــــــــ[24 - 12 - 10, 03:25 ص]ـ

{وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً}

ولسانٌ صيرفيٌّ صارمٌ - كذبابِ السيفِ ما مَسَّ قَطَعْ

سحرُ هاروتَ وماروتَ ولو - كَلَمَ الصَخَرَ بِحَقٍّ لانْصَدَعْ

- نحن في زمن عجيب، وفي عصر غريب، كم بلينا بخطيب غير أديب، ولا مصيب، إذا تكلم تلعثم، وهمهم، وغمغم، وتمتم.

- إذا بدأ في الكلام اعتذر، لا يدري ما يأتي وما يذر، لأن كلامه هذر مذر، ابُتلي الرجل بالسعال، وكثرة الانفعال، وسوء التعبير في المقال، لا يزوّر الكلام في صدره تزويراً، ولا يحبّر الخطب تحبيراً، فلا يساوي كلامه في ميزان الشعر نقيراً، يا ليت بعض الخطباء اشتغل بالتجارة، أو مارس البناء والنجارة، وترك المنبر لأهل الإبداع والجدارة.

- الخطيب القدير، والمتكلم النحرير، له صولة وزئير، ومنطق كالحرير، ولسان كالسيف الطرير، إذا وثب على المنبر، فاح منه المسك والعنبر، فكأن منطقه الماء الزلال، والنبع السلسال، يأتي الحكمة في ارتجال، ويغلب بحجته الرجال، فإنه الأسد إذا صال وجال، إياك والكلام الساقط المرذول، والعامي المبذول، وعليك بفصيح المنقول، الذي يحبّذه أصحاب العقول، ما أحوجنا إلى خطيب قوّال، وبما يقول فعّال، ليس صاحب إملال، ولا إخلال، ولا إقلال، وإنما يدبج السحر الحلال:

وكلامه السحر الحلال لو أنَهُ - لم يجن قتل المسلم المتحرز

إن طال لم يملل وإن أوجزته - ودّ المحدث أنه لم يوجز

- لا يشرح الصدر مثل الكلام الصادق، والبيان الناطق، واللفظ الدافق، والأسلوب السامق، أما كلام الحاكة، وألفاظ أهل الركاكة، فهو حُمّى الأرواح، في الصدور رماح، وفي القلوب جراح.

ترى بعضهم إذا تكلم لا يكاد يبين، كأنه من الأعجمين، ينطق بالحرف مقلوباً، ويجعل المرفوع منصوباً، ملأ خطبته عيوباً، وندوباً، وثقوباً. غضب منه في النحو سيبويه، وفي اللغة نفطويه، وفي الحديث راهويه، وفي الشعر متنبيويه.

- الخطيب البارع يأسر القلوب أسراً، ويسري بالأرواح، فسبحان من أسرى، ويسترق الضمائر فإما منّاً بعد وإما فداء، وله على مستعمرات النفوس احتلال واستيلاء.

-الخطيب الملهم يكتب على صفحات القلوب رسائل من التأثير، في العقول صوراً من براعة التعبير، ويبني في الأفئدة خياماً من جلال التصوير. هل تمل من الروضة الغنّاء إذا غنى فيها العندليب، وحل بها الحبيب، وأطفأ نسيمها اللهيب، وكذلك الخطيب النجيب، في خطبه روضات من الجمال، وبساتين من الجلال، ودواوين من الكمال.

- تقرأ القصة لا تساوي بعرة، ولا تهز شعرة، فيلقيها الخطيب الأشدق، والفصيح المتدفق، فكأنها السحر دب في كيانك، وكأنها الخمر هزت أركانك، تسمع بيت الشعر لا يساوي ريالاً، ولا ترى فيه روعة ولا جمالاً، فيلقيه الخطيب المصقع، والمتكلم المبدع، فتبقى من حسنه مبهوتاً، كأنك لقطت ياقوتاً.

- الخطيب الهدّار، كالسيل الموّار، يقتلع الأشجار، ويحمل الأحجار، ويقتحم الأسوار، لا يرده جدار، ولا تقف في طريقه دار، لأن الخطيب يقبل ومعه الآية الآمرة، والموعظة الزاجرة، والقصة النادرة، والحجة الباهرة، والقافية الساخرة. تعيش معه في دنيا من الصور والألوان، وفي عالم من المشاهد والألحان، كأنك في إيوان، أو بستان، أو ديوان.

- دعني من الخطباء الثقلاء، كأن كلامهم لهيب الرمضاء، أو وهج الصحراء، أو وجه الشتاء، لا طلاوة، ولا حلاوة، لا إبداع، ولا إمتاع، ولا إشباع. قوم لم تركض ألسنتهم في ميدان البيان، ولم تذق قلوبهم حلاوة القرآن، ولا تمتعوا بسحر الكلمات، ولا رشاقة الجمل البالغات، ولا عرفوا حسن السبك، ولا براعة الحبك، همّ أحدهم صحف يتلوها على الناس بكرة وأصيلاً، لا تترك في الناس من التأثير فتيلاً، يلوك أحدهم الكلام لوكاً، كأنه يغرز في الأجسام شوكاً.

- أفصح الناس رسول الهدى، وإمام الندى، أبلغ من حضر وبدا، وأوعظ من راح وغدا.

ما بني جملة من اللفظ إلا - وابتنى اللفظ أمة من عفاء

منطق يملأ القلوب جلالا - في حبور وبهجة وصفاء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير