كان الشيخ –رحمهالله- بعد الغداء إذا أصاب الخمول من حضر عنده يقوم إلى الطاولة مباشرة، ويقول له طلابه: أما تعبت أما أصابك نعاس؟! فيقول: لا.
وكان يصلي الفجر بوضوء العشاء أحياناً، ومعدل نومه اليومي أربع ساعات، وإذا زاد عن الحد إلى ست ساعات، ولذلك الرجل أنتج؛ لأنه كان لا يقضي وقتاً طويلاً في النوم، ولا في الأكل، ولا في الذهاب والإياب؛ وإنما كان محافظاً على وقته، وإذا اتصل عليه أحد أو جاءه شخص يقول له: معك خمس دقائق، معك عشر دقائق، والزيارة نصف ساعة من باب المحافظة على وقته.
أصابه شدة في أول أمره وتحمل, يقول: [مرة دعا أحد طلابه إلى وليمة، وقال: لا تقل أني تكلفت لك، والله لقد مضى علي أيام ما كان عندي إلا قنيصين -العملة في ذلك الوقت- أشتري بفرنك خبزة، وبفرنك مرق الجبن، فما يستطيع أن يشتري جبنا، فيغمس الخبز بمرق الجبن ثم يأكل، هذا الحدث حصل في عام 1952م تقريباً.
وكان للشيخ صدقات، وهذه المسألة لا يعرفها أحد، ولكنه كان يقضي بعض ديون تلاميذه، ويرسل بالصدقات لبعض فقراء عمان.
وكان له من اللطائف والغرائب شيئاً كثيراً، فقدكان له مكتب وعلى النافذة يوجد مثل البوري، والزحليقة، أوالزحليطة يضع فيها بقايا الطعام فيتدحرج إلى الأسفل إلى طيور ودجاج كان يربيها، فيضع الطعام فينزل مع هذا البوري إلى الطيور والدجاج ليأكله.
ومرة دعوت الشيخ إلى بيتي فأتىأحد الإخوان بطبق فيه نوع من الطعام فأخذه الشيخ وقال: [هذا يدخل الجوف بلا خوف] وهذا من مداعباته على الطعام.
تواضعه:
كان يركب سيارة موديل ثمانية وثلاثين ميلادي ويطوف في الدعوة، وإذا تعطلت بهيصلحها ويمشي.
وكان مقاوماً للترف، وقد وضع له طعام مرة عدة أصناف، فقال لمن معه: [ارفع واترك نوعاً واحداً فقط -، أي تأخذون من هذا قليلاً، ومن هذا قليلاً، هذا لعب بالنعمة! - ننتهي منه ثم نأتي بالآخر.
ومن تواضعه –رحمه الله- أنه مرة زار تلميذاً في الدراسة الثانوية، فمن الهيبة والد التلميذ ذهب واستدعى الولد من الثانوية إلى البيت، وقال عندنا ضيوف، وقال رأيت شيخين أبيضين أو ثلاثة/ محمد نسيب الرفاعي، والألباني، فقال الألباني للأب: [هل تسمح أن يكون بيتك مكاناً للطلب، وللدرس، قال فقفز الابن فقال: لا مانع، فقال الشيخ الألباني: تأدب واسأل أباك، فقلت: أبي لا يمانع، فقال: تأدب واسأل أباك؛ حتى جاءت الموافقة من الأب، ويقول التلميذ: من تواضع الشيخ أنه زارني في البيت يطلبني وأنا طالب ثانوي، وهو شيخ كبير.
وفاته ودفنه:
لما أعياه التعب، ودب إليه المرض نصحه الأطباء بالراحة، ولكنه لم يكن يغفل: (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) صححه الألباني في صحيح الجامع.
أخبرني ابنه عبد اللطيف وكان ملازماً لوالده، قال: [جعل أبي المكتبة وقفاً على الجامعة الإسلامية، وأوصى بأن يسرع في الدفن، وعدم انتظار الناس، وأن يقبر في أقرب مقبرة؛ لئلا يضطروا إلى حمله بالسيارة وإنما يحملونه على الأكتاف؛ لأنه يرى هذه هي السنة، وقبل ساعة من وفاته، كان مستيقظاً، ومن العجائب أنه كان في النوم يقول: هاتوا كتاب العلل، هاتوا كتاب كذا، هاتوا الجرح والتعديل. ومرة قال أثناء النوم وهو يحرك يده كهيئة الساجد، وقال: هاتوا سنن أبي داوود تحل المشكلة، وقال لي مرة ولده: مباشرة أثناء النوم فجأة تكلم، فقال: هات كتاب الترغيب والترهيب المجلد الأول، فأتيته، فقال: افتح, ففتحت، عد واحد، اثنين، ثلاث أحاديث، هذه في الطول تقريباً سواء، قلت له: لا يوجد فيها حديث طويل، قال: واصل القراءة حديث قلت: هذا الحديث السابق طويل، قال: يكفي، من رواه؟! قلت: جابر، فقال: خلاص أعد الكتاب! وهو نائم، ويقول: مرة كان تكلم وهو نائم فاقتربت منه لأسمع كلامه، ففتح عينيه فجأة، وقال: تتجسس عليّ، وضحك.
كان يجمع الصلاة في آخر شهرين أو ثلاثة من عمره، وقال: كنا نرحمه؛ لأنه يسهر الليل بالتأليف والتحقيق، فأذهب للنوم الساعة الحادية عشر ليلاً، ثم استيقظ الساعة الواحدة فأجده قد استيقظ، ثم يقوم إلى الطاولة وإلى الفجر لا ينام، ثم ينام ساعتين في النهار، فمعنى ذلك أنه ينام أربع إلى ست ساعات ويشتغل عشرين ساعة، أو ثمانية عشر ساعة، فهذا عمله.
قال: وأقول لك بشكل خاصإننا قد لاحظنا أثر الجلوس الطويل عليه على ظهره أثناء تغسيله.
¥