تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و الملاحظ أنه جاء تصريح الزهري بالسماع من أنس رضي الله عنه في هذا الحديث كما في الجامع لمعمر و مسند الإمام أحمد و شعب الإيمان للبيهقي و المختارة للمقدسي، لكنها كلها من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه.

ورواية بن المبارك جاءت بالعنعنة، فهل هذا من أوهام عبد الرزاق رحمه الله تعالى؟ فقد ثبت عنه مثل هذا في غير ما حديث كما بينه النقاد.

و قد أشار الإمام البيهقي رحمه الله في الشعب إلى هذا الإختلاف على الزهري في التصريح بالسماع

قال: (هكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أخبرني أنس ورواه ابن المبارك عن معمر فقال عن الزهري عن أنس ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري).

و شعيب بن أبي حمزة من أثبت الناس في الزهري و قد خالف معمرا ببيان العلة (و هي إبهام

الراوي)، لكن معمرا من أثبت الناس أيضا في الزهري، و المطلع على تصنيف النقاد لطبقات أصحاب الزهري يجدهم جعلوا معمرا من الطبقة الأولى من الثقات الذين لازموا الزهري و أخذوا عنه و هم أثبات في حديثه.

و لا بد لي أن أضيف أن الذين ذهبوا إلى صحة الحديث لهم وجه قوي جدا في ما ذهبوا إليه:

1 - ذلك أن طريق معمر ظاهرها الصحة بل هي على شرط الشيخين و دفع تصريح الثقة بالسماع و رده من أعسر الأمور، إلا إذا دلت القرائن القوية على وهمه.و يراجع في هذا البحث الماتع الذي كتبه الشيخ حاتم الشريف في كتابه القوي " المرسل الخفي و علاقته بالتدليس " (2/ 701).

2 - الزهري من المكثرين عن أنس رضي الله عنه: فاحتمال أن يكون حدث هكذا و هكذا قوي.

3 - عدم النكارة في المتن التي اعتمدها الفريق المضعف، كما سيأتي رد ذلك إن شاء الله.

لكن بعد هذا كله و الحق يقال أن ما جاء في علل بن أبي حاتم معضدا لرواية البيهقي في الشعب و التي تُظهر علة الحديث (و هي إبهام الواسطة بين الزهري و أنس رضي الله عنه)، هو الذي جعلنا نميل إلى التوقف في تصحيح الحديث و عدم القول بأن الزهري حدث هكذا و هكذا و الله تعالى أعلم بالصواب و هو الموفق.

أما القول بالنكارة في المتن فلا نراه قويا كما بيناه في مسألة " تحرير القول دراية " أسفل و الله تعالى أعلم.

تحرير القول دراية:

الذي ترجح عندي و الله تعالى أعلم: أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص لم يكذب و حاشاه رضي الله عنه، بل ما فعله فيه من العبر و العظات و المناقب ما لا يمكن حصره في هذه العجالة:

- لقد استعمل رضي الله عنه المعاريض: ولقد قال أهل العلم: " في المعاريض مندوحة عن الكذب "

و نجزم بهذا مستقين ذلك من ألفاظ الحديث:

- فلقد كان فعلا بين ابن عمرو و والده رضي الله عنهما شيء، لكن ليس بالذي يؤدي إلى القطيعة و الهجر، فلما قال " لا حيت أبي " كان صادقا رضي الله عنه: إذ كان بينه و بين أبيه مغاضبة صغيرة لعلها إلى الجدال أقرب. و لم يهجر ابن عمرو رضي الله عنهما والده و لم يرد في هذه الروايات ما يبين أنه أقسم أمام والده أن لا يبيت عنده، بل عرّض رضي الله عنهما أمام الأنصاري المبشر، بذلك، فإمكان إقسامه أن لا يبيت عند والده من أجل أن يستضيفه الأنصاري، تؤيده الروايات، و أقواها دلالة الرواية التي أخرجها النسائي في السنن الكبرى (6/ 215)، إذ قال فيها ابن عمرو رضي الله عنهما للأنصاري: " يا عبد الله إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب هجرة " ثم أضاف "ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات في ثلاث مجالس يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت تلك الثلاث مرات فأردت آوي إليك فأنظر عملك "

ففي هذا شرح مبين لطبيعة المغاضبة بين ابن عمرو و والده رضي الله عنهما، فهذه الرواية هي كالمفسرة للرواية الأخرى التي قال فيها: " يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر"، فيكون معناها: لم يكن بيني و بين والدي غضب كبير هجرته بسببه.

بل كان بينهما شيء يسير فقط، استعمله ابن عمرو و عرّض حتى أوهم الأنصاري أن إقسامه ألا يبيت عند والده كان بسبب هذه المغاضبة. فلما رأى منه ما رأى و علم السبب الذي ظن أنه

هو الذي جعل النبي صلى الله عليه و سلم يبشره بالجنة، صرح له أنه لم يكن بينه و بين والده

" غضب هجرة " كما في رواية النسائي، أو إن شئت " لا غضب و لا هجرة " في الرواية الأخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير