[الشجاعة طريق الهداية]
ـ[الظافر]ــــــــ[09 - 05 - 03, 05:53 ص]ـ
الحمد لله الذي شرح صدور المؤمنين، ونور أفئدة أولياءه الصالحين،وجلاّ أبصار الطائعين، وهدى السائرين إليه بتوفيقه ومنِّه وإحسانه وتكرمه وجوده، أحمده على هدايته، واشكره على تسديده، واثني عليه على نعمائه و أصلي على الهادي البشير والسراج المنير وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ...
فإن الهداية إلى الله تعالى منية الطالبين، ورغبة العارفين، ولذة المشتاقين، وراحة الوالهين، وأنس السائرين إلى الله رب العالمين ..
إن الهداية نور يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، وحلاوته، وطلاوته، بها يُشرح الصدر ويوسع فيه، ويُفرح القلب، فإذا فُقد هذا النور من قلب العبد، ضاق وحَرِج، وصار في أضيق سجن وأصعبه ...
إن الهداية والاستقامة روح نحى بها الأجسام، ونور يستضاء به في الظلام، الهداية نعمة وأجل نعمة، ومنه وأجل منه، وعطية وأجزل عطية، وهدية وأحسن هدية ..
ذهب قوم يبحثون عن الهداية والطمأنينة فما أصابت القدم في سيرها، وما وفقت القلوب إلى مطلوبها، وما هديت النفوس إلى مرغوبها، فعادت بعد دهر أو دهور أو شهر أو شهور إلى ما كانت عليه حزينة أليمة كئيبة، فلما تأمل القوم المطلوب وجدوا أنه مطلوب فاسد دنيّء غير مرغوب فازدادوا شقاء بعد شقاء، وحسرة بعد حسرة، وحرمان بعد حرمان ...
وصدق الله الجليل: {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} (النور 40)
وصدق الله الرحيم {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء} (الأنعام 178)
وقوم طلبوا الهداية والراحة والطمأنينة في مضانها فوصلوا لها وحازوا فَخَارها .. بل لو كانت عند الثريا لنالها أصحاب الهمم العوالي والنفوس البواسل ... كانوا قبل أن يعرفوها نكرة منكرة، نكرة في السماء عند من يذكر عبده إذا ذكره، ويشتاق إلى دعائه وسؤاله ... ومنكرة بفعلهم المقيت وسعيهم الحثيث إلى تحصيل اللذات والأنس بالشهوات ... لكن ما إن عرفوا الحقيقة البلجاء، والنور الساطع، والصوت الصداح؛حتى سجدوا سجدة التحرير، وسارعوا إلى ربهم يحثون الخطا فمنهم من أجتهد حتى صُفت قدماه ومنزلته مع الأنبياء ثم قوم دونهم ثم دونهم كل على قدر سبقه، وسعيه {إن سعيكم لشتى} (الليل 4) لكنهم عرفوا الطريق، وهدوا إلى المحجة فكانوا مثالا للدهر وقدوة للخلق وحسنة في جبين الزمان ... ليس المجال مجالهم وإلا فالحديث عنهم ذو شجون، وحديث أُنس ولذة .. لكن أسأل الله أن ييسر حديثاً عنهم ...
وقوم عرفوا الهداية وعرفوا أهلها بصدقهم وإخلاصهم وبما يحملونه من لذة وراحة لكن أبت تلك النفس اللقسة – الخبيثة - وتلك الهمة الدنيئة إلا أن تكون جبانة عن طلب الحق والسعي إليه ...
فهم قومن لا ينقصهم قناعة فهم مقتنعون بهذا الطريق أشد القناعة ..
لا ينقصهم علم، فهم يعلمون ويعلمون ويعلمون ... لا ينقصهم فهم بل يفهمون و يفهمون و يفهمون ...
لا ينقصهم عقل بل يفكرون و يفكرون و يفكرون ...
لا ينقصهم عبرة فالعبرة كل يوم يرونها من موت وقتل ونهاية أقوام وذهاب أناس وغير ذلك ...
لا ينقصهم إلا شيئٌ واحدٌ وهذا الشيء هو من أعظم ما يقود إلى انشراح الصدر، وراحة البال العليل المكدود، وذهاب الهم المطبق، والغم الساكن في تلك النفوس ...
هذا الشيء ما استطاع عليه أبو طالب فكان من أهل النار والسعير، وما أطاقه فرعون فكان مكردساً في دركات الجحيم، وما أطاقه هرقل فكان محروماً عارفاً للحق محزوناً لم يحدوه ذلك المطلب إلى نيل أعظم مطلوب، بل ساقه ذلك الوصف القبيح ـ الجبن ـ حتى كان والعياذ بالله من أهل الجحيم ..
هذا الشيء ما استطاع عليه أرباب الفن، وأرباب الغنا، وأرباب الزنا، وأرباب الربا، وأرباب اللعب واللهو لأنهم غرقوا في مهاوي الردى واحبوا تلك الصفة حتى أصبحت هي المهيمنة عليهم مع أنهم منها براء وهي ليست لهم .. لكن .. أعاقهم الجبن ... نعم الجبن ... وما عرفوا الشجاعة ... الشجاعة الإيمانية تلك الشجاعة التي تقود إلى التغلب على النفس والهوى و الشيطان والدنيا وعلى حب الملذات والشهوات وعلى الأنس بأصحاب المعاصي والزلات ... إنهم ليس لديهم شجاعة إيمانية تقودهم إلى الله ...
¥