الشجاعة التي تحمل النفس على ترك القبائح وفعل الطاعات ... إنهم لا ينقصهم شيء هم مسلمون ... موحدون ... مصلون ... لكنهم مقصرون في أمور عظام وهم يعلمون ذلك ... بل كل واحد منهم يتمنى لو سجد تلك السجدة ... سجدة التحرير التي حرمها إبليس لأنه خسيس ... تلك السجدة التي حرمها قارون فكان من المقرنين في نار جنهم {مقرنين في الأصفاد} (إبراهيم 49) حرمها أبي بن خلف فكان خليفة إبليس ثم تابعاً له في نار جهنم. تلك السجدة التي حرمها أبو جهل لأنه جاهل أحمق.
تلك السجدة التي حرمها كثير من شبابنا وشاباتنا بسبب الجبن والخوف والخور ... جبن من تحقيق الهداية في المظهر والملبس، جبن من تحقيق الرفقة الصالحة وخوف من استهزاء الرفقة المارقة عن أمر الله تعالى ..
جُبن من تحقيق العبودية الحقة لله في فعل جميع أوامره واجتناب جميع مناهييه وخوف من ترك شهوة قصيرة ... ولذة سريعة، جبن من تحقيق السعادة للنفس والأهل والمجتمع و خوفاً من الماضي الحزين والماضي المشرب بالمعاصي.
لكن يا من يفكر دائماً في طريق النجاة وطريق السعادة والفلاح ... هاك في نقطة عظيمة عدها ابن القيم من أعظم أسباب انشراح الصدر (زادالمعاد 2/ 26) وهي الشجاعة الإيمانية: التي بها تتحرر من رق الشيطان، ورق النفس والهوى وحب الدنيا .. الشجاعة التي بها تصرخ في كل وجه .. نعم أنا مؤمن بالله تعالى، ومتبع لسنة سيد المرسلين .. فآبائي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد ومصعب حمزة …وسلفي أبو مسلم الخولاني ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح …ومشائخي أحمد والبخاري ومسلم وابن تيميه وابن القيم ... قدوتي نعم قدوتي حبيبي رسول الله ـ ? ـ ... نعم كن شجاعاً في اتخاذ قرارك ... نعم كن حازماً في حسم أمرك ... نعم كن شجاعاً في فتح باب النور الذي به تحى حياة طيبة وتسعد سعادة سرمدية.
أخي المفضال: اعلم أن الجبان: أضيق الناس صدراً، وأحصرهم قلباً، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة، ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي.
وأما سرور الروح، ولذتها، ونعيمها، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان، كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل معرض عن الله سبحانه غافل عن ذكره جاهل به وبأسمائه وصفاته ودينه، متعلق القلب بغيره ...
اعلم أيها الشجاع الرباني أن لك في الدنيا سعادة ونعيم وهذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضاً وجنة، واعلم يا جبان أن لك في الدنيا ضيق وحصر وهذا الضيق والحصر ينقلب في القبر عذاباً وسجناً ..
فحال العبد في القبر ... كحال القلب في الصدر ... نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً ... ولا عبرة بضيق صدر الشجاع لعارض، ولا عبرة بانشراح صدر الجبان لعارض ... فإن العوارض تزول بزوال أسبابها ... وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب تُوجب انشراحه وحبه فهي الميزان والله المستعان ...
تأمل يا شجاع شجاعة الشجاع الذي كان في أرغد عيش وأهناه، كان هذا الشجاع في كفالة عمه ... فلما سمع بخبر ذلك العظيم محمد بن عبد الله الكريم طار عقله سروراً، وابتهجت نفسه سعادة وحبوراً، حتى إن رؤية النبي -? - لا زالت جاثمة على فؤاده لا تفارق ناظريه،حتى تاقت تلك النفس الطيبة للهجرة إلى رسول الله -? - فلما علم عمه الذي يقوم على رعايته، وينفق عليه .... غضب أشد الغضب ... بل أرغى وأزبد ... وصرخ وهدد ... ونهى هذا الشجاع من إسلامه وهجرته ... لكنه قابل جبلاً أشما، وسيفاً بتاراً لم تصده تلك التهديدات، ولم تردعه تلك الصيحات ..
بل ضل سائراً إلى الله ورسوله ..... فحصل بعد ذلك ما يحصل بين باغي الخير والصاد عنه، حتى أن عمه هدده – وهو صاحب النفقة واليد العليا عليه – إن هو ذهب وآمن بالرسول - r – أن يجرده من كل شيء ... نعم كل شيء ... حتى الثياب ... لكن صاحبنا كان ذو شجاعة علية ونفس أبية – ولسان حاله يقول خذ كل شيء .... الأموال .... الطعام ... المسكن ... كل شيء …نعم كل شيء حتى الثياب ... حتى جسدي خذه .... لكن دع فؤادي يطير إلى عشه ومسكنه، دع قلبي يرفرف بين يدي رسول رب العالمين -
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكيني
لن تستطيع حصار فكري ساعة أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يَدَيْ ربي … وربي حافظي ومعيني
¥