عن عائشة قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحُدَيَّا» رواه أحمد ومسلم وابن ماجة والترمذي.
وعن سعد بن أبي وقاص: «أنَّ النَّبِيَّ ? أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقاً» رواه أحمد ومسلم. وللبخاري منه الأمر بقتله.
وعن ابن عباس قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ? عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرْدُ» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
وعن عبد الرحمن بن عثمان قال: «ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ? دَوَاءً وَذَكَرَ الضِّفْدَعَ يُجْعَلُ فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضِّفدع» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وَالصُّرَد: هو طائر فوق العصفور. وأجاز مالك أكله. وقال ابن العربي: إنما نهى النبي ? عن قتله؛ لأن العرب كانت تشاءم به، فنهى عن قتله ليزول ما في قلوبهم من اعتقاد التشاؤم. وفي قول للشافعي مثل مالك؛ لأنه أوجب فيه الجزاء على المُح حْرِمْ إذا قتله. وأما النمل فلعله إجماع على المنع من قتله. قال الخطابي: إن النهي الوارد في قتل النمل المراد به السليماني أي لانتفاء الأذى منه دون الصغير، وكذا في شرح السنة. وأما النحلة فقد روي إباحة أكلها عن بعض السلف.
الهدهد: فقد روي أيضاً حل أكله وهو مأخوذ من قول الشافعي أنه يلزم في قتله الفدية.
الضفدع: قوله: «فَنَهَى عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ» فيه دليل على تحريم أكلها بعد تسليم أن النهي عن القتل يستلزم تحريم الأكل.
الجنان: وهي الحيات جمع جان وهي الحية الصغيرة. وقيل: الدقيقة الخفيفة. وقيل: الدقيقة البيضاء.
وعن أبي لبابة قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الّتي تَكُونَ فِي الْبُيُوتِ إِلاَّ الأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَتْبَعَان مافي بطون النساء» متفق عليه.
وقال بعض العلماء: الأمر بقتل الحيات مطلقاً مخصوص بالنهي عن حيات البيوت إلاَّ الأبتر وذا الطفيتين فإنه يقتل على كل حال،
قالوا: ويخص من النهي عن قتل حيات البيوت الأبْتَر وذو الطفيتين اه. وهذا هو الذي يقتضيه العمل الأصولي في مثل أحاديث الباب
فالمصير إليه أرجح.
وتبويب المصنف في هذا الباب فيه إشارة إلى أن الأمر بالقتل والنهي عنه من أصول التحريم. قال المهدي في البحر: أصول التحريم إما
نص الكتاب أو السنة أو الأمر بقتله كالخمسة وما ضرَّ من غيرها فمقيس عليها، أو النهي عن قتله كالهدهد والخطاف والنحلة والنمل
والصرد، أو استخباث العرب إياه كالخنفساء والضفدع والعظاية والوزغ والحرباء والجعلان وكالذباب والبعوض والزنبور والقمل والكتان والنامس والبق والبرغوث لقوله تعالى?: {يحزم عليهم الخبائث} (الأعراف: 751) وهي مستخبثة عندهم، والقرآن نزل بلغتهم، فكان استخباثهم طريق تحريم.
صيد الكلب المعلم:
وعن عدي بن حاتم قال رسول الله ? (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمِ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك .. )
قوله: «وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ» المراد بالمعلم الذي إذا أغراه صاحبه على الصيد طلبه، وإذا زجره انزجر، وإذا أخذ الصيد حبسه على صاحبه، وفي اشتراط الثالث خلاف. واختلف متى يعلم ذلك منها؟ فقال البغوي في التهذيب: أقلّه ثلاث مرات. وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين. وقال الرافعي: لا تقدير لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف. ذهب الجمهور الى إباحة الصيد بالكلاب المعلمة من غير تقييد، واستثنى أحمد وإسحاق الأسود وقالا: لا يحل الصيد به لأنه شيطان.
ما شاركه كلب آخر
قوله ?: «مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا» فيه دليل على أنه لا يحل أكل ما يشاركه كلب آخر في اصطياده، ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة، فإن تحقق أنه أرسله مَن هو من أهل الذكاة حل ثم ينظر، فإن كان إرسالهما معاً فهو لهما وإلا فللأول.
ماصيد بِالْمِعْرَاضِ: هو سهم لا ريش له ولا نصل وقال ابن التين: المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي بها الصائد فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ.
وقع في حديث عدي بن حاتم قُلْتُ لَهُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأَصِيدُ، قَالَ: إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْهُ». قوله: «فخزق» أي نفذ
قال في الفتح: وحاصله أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد حل وكانت تلك ذكاته، وإذا أصاب بعرضه لم يحل لأنه في معنى الخشبة الثقيلة أو الحجر ونحو ذلك من المثقل وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور.
ما أكل منه الكلب من الصيد:
قوله: «وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ» فيه دليل على تحريم ما أكل منه الكلب من الصيد ولو كان الكلب معلماً، وقد علل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه، وهذا قول الجمهور، وقال مالك: وهو قول الشافعي في القديم، ونقل عن بعض الصحابة أنه يحل.
ما امسكه الكلب مذكى
قوله: «فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» فيه دليل على أن إمساك الكلب للصيد بمنزلة التذكية إذا لم يدركه الصائد إلا بعد الموت، لا إذا أدركه قبل الموت، فالتذكية واجبة لقوله في الحديث: «فإن أدركته حياً فاذبحه».
لو صاد الكلب غير ما ارسل له
قوله: «فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» استدل به على أنه لو أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره حل للعموم الذي في قوله: «مَا َأَمْسَكَ عَلَيْكَ» وهذا قول الجمهور. وقال مالك: لا يحل وهو رواية البويطي عن الشافعي.