ومثل ذلك الأعياد المدنية فهي من سنن اليهود والنصارى ومنها عيد الثورة وعيد العمال وعيد الأم وعيد البنوك وعيد المرأة ويوم الشجرة وأسبوع النظافة ويوم الصحة العالمية ويوم الطفل… الخ. انظر "عيد اليوبيل" للشيخ بكر أبو زيد ص13.
وإن قدر أن هناك عيداً أحدثه المسلمون، لم يسبقهم إلى إحداثه الكفار، فإن هذا لا ينفي التشبه بهم لأن إحداث الأعياد إحياءً لذكرى معينة فرحاً بها أو حزناً عليها هو من سنن اليهود والنصارى يدلك على ذلك ما رواه البخاري ومسلم (أن يهودياً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال فأي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة/3] …).
الوجه الثاني: أن التشبه بهم لا يشترط فيه أن يقصد إلى الفعل من أجل أنهم فعلوه بل يكفي أن يكون هذا الأمر مما اختصوا به وهو مأخوذ عنهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه، وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير.
فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهاً نظر.
لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ولما فيه من المخالفة كما أمر بصبغ اللحى وإحفاء الشوارب مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: (غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود) دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية) ا. هـ اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 238].
الوجه الثالث: أنه لو قدر أن هذا الاحتفال ليس فيه تشبه بهم ولا هو ذريعة إليه فإن قصد مخالفتهم مطلوب مرغب فيه والأدلة على ذلك كثيرة.
منها: الأمر بمخالفتهم في صيام عاشوراء بأن يضاف إليه التاسع كما صح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. رواه مسلم [1133].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فتدبر هذا يوم عاشوراء، يوم فاضل يكفر سنة ماضية صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ورغب فيه ثم لما قيل له قبيل وفاته: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه، وعزم على ذلك) اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 249].
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين) و (خالفوا اليهود والنصارى) في مسائل عدة، كتغيير الشيب، ولباس النعال في الصلاة وإعفاء اللحى وحف الشوارب واتخاذ القصة من الشعر وحلق القفا وتعجيل الفطور وغير ذلك من العادات والعبادات.
فهذا يدل على أن مخالفتهم مطلوبة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات وصفات الطاعات لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم فإنه: كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم) اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 445].
وقال: (إن نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه…) اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 488].
قال: (فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة والمشاركة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان وهذا أمر محسوس.
فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة) ا. هـ باختصار اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 171].
قال: (حتى لو كان موافقتهم في ذلك أمراً اتفاقياً ليس مأخوذاً عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم لما في مخالفتهم من المصلحة كما تقدمت الإشارة إليه.
فمن وافقهم فوت علىنفسه هذه المصلحة وإن لم يكن أتى بمفسدة فكيف إذا جمعهما؟) اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 425].
والخلاصة:
أن هذه الاحتفالات والأعياد الزمانية المتكررة في الحول أو في القرن أو في نصفه أو في ربعه أو غير ذلك سواء كانت ذكرى لمناسبات دينية أو دنيوية كلها يشملها النهي وتدخل ضمن البدع والمحدثات في الدين وإن كان بعضها أشد في النهي والكراهة من بعض.
¥