تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصرة الحق وقتال البغاة (5)، قال النووي رحمه الله: (وقال معظم الصحابة والتابعين وعامة علماء الإِسلام: يجب نصر المحق في الفتن , والقيام معه بمقاتلة الباغين) (6). وهذا هو الصحيح فقد أمر الله عز وجل بقتال البغاة في قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (7)؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُه) (8). وقتال البغاة من إنكار المنكر وإنكار المنكر واجب، قال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (9)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) (10)، فهذا من الإنكار باليد.

وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في القعود عن القتال في الفتنة من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق (11)، قال النووي رحمه الله: (وتتأول الأَحاديث على من لم يظهر لهُ الحق , أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهم، ولو كان كما قال الأَولون لظهر الفساد, واستطال أهل البغي والْمبطلون) (12). وقال الطبري رحمه الله: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل, ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأَموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأَمر بالأَخذ على أَيدي السفهاء (13). وقد رُوي أن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه حضر قتال علي ومعاوية رضي الله عنهما ولكنه لم يُقاتل، فلما قُتِل عمار سل سيفه وقاتل وحدث بحديث (تقتل عمارا الفئة الباغية). (14)

أما قوله صلى الله عليه وسلم (فالقاتل والمقتول في النار) فهو محمول على من قاتل طلبا للدنيا أو اتباع لهوى ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّة) (15). وقال العلماء معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى اللَّه تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلا , وقيل هو محمول على من استحل ذلك، ولا حجة فيه للخوارج ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأَنه لا يلزم من قوله فهما في النار استمرار بقائهما فيها (16). وقال النووي رحمه (17): (وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تاويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها - ثم كونه في النار معناه مستحق لها، وقد يجازى بذلك، وقد يعْفو الله تعالى عنه. هذا مذهب أهل الحق). ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة، فالقاتل يعذب على القتال والقتل، والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد (18).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير