هَلَكَتْ، إلاّ ما شاءَ اللَّهُ. قيلَ: فَما يُعيشُ النَّاسَ في ذَلِكَ الزَّمانِ؟ قالَ: التَّهْليلُ والتَّكْبيرُ والتَّحْميدُ، وَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَلَيْهِم مَجْزَأَةَ الطَّعامِ «.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
» فِتْنَةُ الأَحْلاسِ [75] هَرَبٌ وحَرْبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَنُها مِنْ تَحْتِ قَدَمِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، ولَيْسَ مِنّي، إنَّما أوْلِيائي المُتَّقونَ. ثُمَّ يّصْطَلِحُ النَّاسُ عَلى رَجُلٍ كَوِرْكٍ عَلى ضِلعٍ [76]، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْماء [77]، لا تَدَعُ أحَداً مِن هَذهِ الأمّةِ إلاّ لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإذا قيلَ انْقَضَتْ تَمادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فيها مُؤْمِناً وَيُمْسي كافِراً، حَتّى يَصيرَ النّاس إلى فُسطاطَيْنِ [78]، فُسطاطِ إيمانٍ لا نِفاقَ فيهِ وفُسْطاطِ نِفاقٍ لا إيمانَ فيهِ، فَإذا كانَ ذاكُمُ فَانْتَظِروا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ «. [79]
وَمِنْ عَلاماتِ خُروجِ الدَّجَّال ما رواه أحمد وأبو داود عن معاذ رضي الله عنه، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
» عُمْرانُ بَيْتِ المَقدِسِ خَرابُ يَثْرِبَ، وَخَرابُ يَثْرِبَ خُروجُ المَلْحَمَةِ، وَخُروجُ المَلْحَمَةِ فَتْحُ القُسْطَنْطينِيَّة، وفَتْحُ القُسْطَنْطينِيّة خُروجُ الدَّجَّالِ «. [80]
فَعمران بيت المقدس يكون على أيدي المسلمين بعد تحريره من يهود بإذن الله تعالى. وتكون الأرض المقدسة أرض الخلافة في ذلك الوقت بدليل قولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن حوالة:
» يا ابن حوالةَ! إذا رَأَيْتَ الخِلافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلازِلُ والبَلايا والأُمورُ العِظامُ، والسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ لِلنّاسِ مَنْ يَدي هَذِهِ مِنْ رِأْسِكَ «. [81]
خلوّ المدينة من أهلها
ويهاجر المسلمون إلى بلاد الشام لجهاد أعداء الله من يهود ونصارى، ويخرج أهل المدينة من المدينة، لا رغبة عنها بغيرها، وإنما جهاداً في سبيل الله، حتى لايبقى فيها أحد، فتغشاها السباع والعوافي وتبقى كذلك حتى تقوم الساعة.
روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
» لَتَتْرُكُنَّ المَدينَةَ عَلى خَيرِ ما كانَتْ، تَأْكُلُها الطَّيْرُ والسِّباعُ «. [82] ورواه الشيخان و أحمد بزيادة، قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
» يَتْرُكونَ المَدينَةَ على خَيرِ ما كانَتْ، لا يَغشاها إلاّ العَوافي -يريد عوافي السباع والطير-، وآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ راعِيانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُريدانِ المَدينَةَ، يَنْعِقانِ بِغَنَمِهِما، فَيَجِدانِها وَحْشاً، حَتّى إذا بَلَغا ثَنِيَّةَ الوَداعِ خَرَّا علَى وُجُوهِهما «. [83]
وعن عبد الله بن عمرو قال:
» يأتي عَلى النّاسِ زَمانٌ لايَبْقى فِيهِ مُؤْمِنٌ إلاّ لَحِقَ بالشَّامِ «. [84]
هَلاك المَسِيحِ الدَّجَّال
وأما قتل الدَّجَّال فيكون على يد نبي الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام - كما مرَّ في حديث النواس المتقدم - بعدما تصرف الملائكة وجهه عند أنقاب المدينة إلى الشام وهناك يهلك عند باب لدّ الشرقي في أرض فلسطين، أعادها الله للمسلمين.
الدجال عند أهل الكتاب
إن بني يهود مذ كذبوا بالمسيح عليه السلام وكفروا به وبرسالته وهم ينتظرون مسيحهم الدجال، والذي يزعمون أنهم سيعيد إليهم مجدهم وحكمهم للأرض المباركة، وعندها ستستلم الأمم كلها لبني إسرائيل، شعب الله المحتار!
اختلفت الروايات عن هذه الشخصية وتناقضت، وهذه طبيعة دين اليهود والنصارى. بل إن بعضهم من يعتبر الدجال شخصية أسطورية من اختراع الأحبار وكتّاب الملاحم والأساطير. وبما أن دين أهل الكتاب في» تطور «مستمر فإن بعضهم انحرف كثيراً عن جادة الصواب وقال بأن» الدجال «هو عبارة عن رمز يشير إلى أن كلَّ من عادى ويعادي النصرانية يُعتبر» دجالاً «. وقد تفنن بعضهم وشط في تفننه عندما وصف مثلاً» الخميني «بأنه هو الدجال، (ولنا الحق أن نحتفظ برأينا عن الخميني!) وقد ضمت لائحة» الدجاجلة «بعض زعماء عرب وشخصيات نصرانية. بل إن بعضهم زعم أن أحد البابوات هو الدجال بعينه. فكل ما لا يرضي هوى هؤلاء الضالين يعتبر أنه الدجال الذي أخبرت به كتبهم» المقدسة «. [85]
وقد ذكره الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- الدجال لأقوامهم، فنحن نعلم يقيناً أن موسى وبقية أنبياء بني إسرائيل قد ذكروا لأقوامهم الدجال وفتنته، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وأنذر قومه الدجال. أنذره نوح والنبيون من بعده .. "
حتى بعض كتابات يهود تشير أن الدجال منهم، وأن أبويه يهوديان. وقد ذكر Wilhem Bousset في كتابه أن:» من المحتمل أيضاً أن المسيح الدجال سيظهر من المناطق الشرقية من أرض فارس، حيث [توجد] قبيلة دان من الجنس العبري «. [86]
وقبل الشروع في الكلام عن نزول عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام، يحسن بنا أن نتكلم هنا عن محمد بن عبد الله المهدي، لأن مجيئه يكون قبل نزول عيسى عليه السلام، حيث يقود الأمة الإسلامية بالعدل والإحسان، ويقيم شرع الله تعالى، وتعود خلافة راشدة بعد أن ملئت الأرض ظلماً وجوراً. ويصلى عيسى بن مريم عليه السلام خلفه، ويحثي المال للناس حثياً ولا يعدّه لهم ... إلى آخر تلك الصفات والأعمال التي وردت في أحاديث صحيحة.
¥