قلت: فهي على هذا سالمةٌ من كثرةِ الغَلَطِ و الاضْطِرَابِ، و قد عُلِمَ أنَّ الضَّعيفَ من
حديث المختَلِط: ما أُنْكِرَ عليه بعدَ اخْتِلاطِه.
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: ((إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها نجا سعد بن معاذ)).
أخرجه الإمام أحمد في ((المسند)) (رقم: 24328) و في ((فضائل الصحابة)) (رقم: 1501) و في ((السنة)) لابنه (2/ 286)، حدثنا يحيى؛ و إسحاق بن راهوية في ((مسنده)) (رقم: 1114): أخبرنا وهب بن جرير؛ و أحمد أيضا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثلاثتهم: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن عائشة به.
قلت:هذا إسنادٌ - في الظاهر - صحيحٌ، و لذا صحَّحه جمعٌ من أهل العلم:
قال الذهبي: إسناده قوي (السير 1/ 291)
و قال العراقي: إسناده جيد (القول المسدد ص:81)
و تبعه ابن حجر، و انظر سياق كلامه فيما يأتي قريبا.
قلت: لكن رواه محمد بن جعفر الملقب بـ: غندر عن شعبة عن سعد عن نافع عن إنسان عن عائشة: أخرجه الإمام أحمد (رقم: 24707 و 24328).
قال ابن حجر: ((وهذه الرواية تدل على أن نافعا لم يسمعه من عائشة رضي الله عنها، و ما رواه يعقوب ويحيى هو الراجح، و يمكن أن يكون نافع سمعه عن إنسان عن عائشة ثم سمعه عنها أيضا فرواه بالوجهين)) (القول المسدد ص:82).
قلتُ: قد عُلِمَ المبهمُ في هذا السند فزال الإشكال، فقد رواه ابن حبان (7 / رقم: 3112) من طريق عبد الملك بن الصباح؛ و البغوي في ((الجعديات)) (رقم: 2548): حدثنا علي - يعني: ابن الجعد -؛ و الحارث في ((مسنده)) (رقم: 279 0 بغية): ثنا عاصم بن علي؛ و البيهقي في ((شعبه)) (1/ 358) من طريق هاشم بن القاسم؛ و الذهبي في ((سيره)) (1/ 291) عن ابن أبي عدي - معلقا -؛ خمستهم عن شعبة عن سعد عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد - امرأة ابن عمر - عن عائشة به.
قلت: و هذا سند صحيح على شرط مسلم:
صفية: تابعيةٌ كبيرةٌ ثقةٌ، قال العجليُّ: مدنيةٌ تابعيةٌ ثقةٌ، و ذكرها ابنُ حِبَّان في ((الثقات)).
روَتْ عن عمرَ و حكتْ عنه، و عن بعضِ أمهَّات المؤمنين و سمعت منهُنَّ، و روى عنها جمعٌ من ثقاتِ التابعين، فيهم: سالم بن عبد الله بن عمر و نافع و عبد الله بن دينار، في آخرين كلُّهم ثقاتٌ.
و قد احتجَّ بها مسلمٌ في ((صحيحه)) (1490)، و مالك في ((الموطأ)) في ست مواضع أو أكثر، فهي عندهما ثقة - لا ريب -، و صحح لها ابن خزيمة (2686) و ابن حبان (3742 و 4302) في ((صحيحيهما "، و الضياء في ((المختارة)) (138)، و البيهقي - كما في ((نصب الراية)) (3/ 207 و 4/ 250).
و قد ذكرها ابن عبد البر في الصحابة، و أثبت ابن مندة لها الإدراك، و نفاه
الدارقطني.
قلت: و هي زوج ابن عمر تزوجها في خلافة أبيه، و أصدقها عمر بن الخطاب صداق ابنه، و هي أم أولادٍ له، و هُم:أبو بكر و أبو عبيدة و واقد وعبد الله و عمر و حفصة و سودة (الطبقات الكبرى 4/ 142و 8/ 472).
و بعد هذا: فلا يرتابُ أحدٌ ممَّن ذاق طعمَ الحديث و عقلَ تصرُّفات الأئمَّة في نقد الرجال: أنها ثقة!
تنبيهات مهمَّة:
الأول:وقع في ((زوائد مسند الحارث: شبيب، بدل شعبة، و هو تحريف قبيح، لم ينتبه له المحقق!!
الثاني: فقد أخرج الطبرانيُّ في ((المعجم الأوسط)) (رقم: 1159) قال - وأحال على إسناده -: حدثنا أحمد، حدثنا عبيد الله، حدثنا زيد بن أبي أنيسة - عن جابر عن نافع قال: أتينا صفية بنت أبي عبيد فحدثتنا أنَّ رسول الله ? قال: ((إنْ
كنت أرى لو أن أحدا أعفي من ضغطه القبر لعوفي سعد بن معاذ، لقد ضُمَّ ضَمَّةً)). و إسناده إلى زيد صحيح، لولا أن شيخَ الطبراني - وهو: أحمد بن عبد الرحمن بن عقال الحراني - قال فيه أبو عروبة: ليس بمؤتمن على دينه.
قلت: ذكر له ابن حجر حديثا منكرا، و قال: ((ولم أر له أنكر من هذا وهو ممن يكتب حديثه)) (لسان الميزان 1/ 213).
¥